للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما في هذه الآية وأمثالها إنما يطلق عليه إيجاز ولا يُسمَّى مجازًا، وهذا أُسلوب موجودٌ في لغة العرب، والقرآن إنما نزل بلغة العرب.

وأجاب الجمهور: بأنَّ في الآية محذوفًا مُقدَّرًا، والمعنى: (فأفطر فعدةٌ من أيامٍ أُخر).

ولا شكَّ أنَّ الأَولى أنْ يُقالَ: إن ذلك إيجازٌ بالحذف، وهذا أُسلوب معروفٌ في القرآن وفي لغة العرب، ومنه قوله تعالى: ({وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ} [يوسف: ٨٢])، والمراد: سؤال أهل القرية.

وهذا أفضل من أن يُقال إنَّ في الآية مجازًا، والمجاز خلاف الحقيقة والقرآن كل ألفاظه حقيقة، ولذا تورَّع كثيرٌ من العلماء عن القول بأنَّ في القرآن مجازًا، وأنه لا يجوز ذلك، والذي ينبغي للمسلم أن يتجنب مثل ذلك، وأن يسلك المسالك التي تباعد بينه وبين أن يقع في مثل هذه الأُمور.

ثم إنَّ السُّنة إنما جاءت بيانًا لكتاب اللَّه عزَّ وجلَّ، وتوضيحًا لمجمله، ورفعًا لما قد يرد فيه من إبهام، قد يتبادر إلى أذهان البعض، كما قال تعالى: ({وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}) [النحل: ٤٤].


= أيها النافي للمجاز في القرآن في قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ}. وقوله {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}. . . فالجواب: أن قوله: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} لا مانع من حمله على حقيقة الإرادة المعروفة في اللغة؛ لأنَّ اللَّه يعلم للجمادات ما لا نعلمه لها كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} وأمثال هذا كثيرة جدًّا، فلا مانع من أن يعلم اللَّه من ذلك الجدار إرادة الانقضاض. ويجاب عن هذه الآية -أيضًا- بما قدمنا من أنه لا مانع من كون العرب تستعمل الإرادة عند الإطلاق في معناها المشهور، وتستعملها في الميل عند دلالة القرينة على ذلك. . . والجواب عن قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} من وجهين أيضًا؛ الأول: أن إطلاق القرية وإرادة أهلها من أساليب اللغة العربية أيضًا كما قدمنا. الثاني: أن المضاف المحذوف كأنه مذكور لأنه مدلولٌ عليه بالاقتضاء،. . مع أنَّ كثيرًا من علماء الأُصول يسمون الدلالة على المحذوف في نحو قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} دلالة الاقتضاء. واختلفوا هل هي من المنطوق غير الصريح، أو من المفهوم. . .

<<  <  ج: ص:  >  >>