للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورد أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدَّين (١)، إلا شهيد البحر (٢)، فإن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعطي غريمه حتى يرضى (٣). إذًا، الدَّين أمره خطير، وشأنه كبير، فلا ينبغي أن يتساهل به، ولا ينبغي للإنسان أن يماطل بمن أحسن إليه وقدم له قرضًا في وقت هو في عسرة، فيكافئه بالمماطلة ويمضي الأيام وربما يقطع صلته عنه ويجافيه ويبتعد عنه حتى لا يطالبه بحقه، فهذا لا ينبغي.

لكنَّ حقوق اللَّه -بلا شك- تقدم على حقوق المخلوقين، وهي تُغفر بالتوبة، فإذا تاب الإنسان وأناب ورجع إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعْفر للتائبين، لكن حقوق الإنسان منها ما لا يغفر إلا بأن تطلب الإباحة من صاحبها، فلو أنَّ إنسانًا تكلم في عرض أخيه المسلم فترتب على ذلك ضرر، أو أكل حقًّا من حقوقه؛ فيتطلب هذا أن يذهب إلى أخيه فيطلب منه العفو والصفح والمسامحة.

*قول: (فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْأُصُولَ تُعَارِضُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَمَا لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَتَوَضَّأُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، كَذَلِكَ لَا يَصُومُ أَحَدٌ؛ قَالَ: لَا صِيَامَ عَلَى الْوَلِيِّ).

كان الأولى أن يورد المؤلف في هذا المقام الأثر السابق آنفًا، بدل أن يجعل الدليل قياسًا، وهو أثر في سنن النسائي الكبرى بأسانيد صحيحة


(١) أخرجه مسلم (١٨٨٦).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٧٧٨). ولفظه: "شهيد البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة اللَّه، وإن اللَّه عزَّ وجلَّ وكَّل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر، فإنه يتولى قبض أرواحهم وبغفر لشهيد البر الذنوب كلها، إلا الدين ولشهيد البحر الذنوب والدين" وهو ضعيف جدًّا ضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (١١٩٥).
(٣) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (٨/ ٢٤٠) من حديث أبي أمامة قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من داين بدين، وفي نفسه وفاؤه، فمات تجاوز اللَّه عنه، وأرضى كريمه بما شاء، ومن داين بدين، وليس في نفسه وفاؤه فمات، اقتص اللَّه لغريمه منه يوم القيامة". وفيه بشر بن نمير وهو متروك. ينظر: "مختصر تلخيص الذهبي" لابن الملقن (١/ ٥٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>