للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعض العلماء (١) يحاول أن يضعف الاستدلال بالحديثين، ويقول: إنه قد نقل عن كل من عائشة وابن عباس -رضي اللَّه عنهما- ما يخالف روايتهما، لكن الذي ورد عنهما مخالف في هذه الحالة، فإن ما هنا رواية ضعيفة، وحتى لو صحت فلا يمكن أن تقدم أو أن تعارض فتوى راوي الحديث حديثًا يرويه عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكيف إذا كان هذا الحديث في الصحيحين أو في أحدهما. إذًا؛ لا يلتفت إلى ذلك.

* قوله: (وَثَبَتَ عَنْهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسْولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَتَهُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ") (٢).

المؤلف جاء بهذه الرواية التي فيها: (جاء رجل)، لكن الرواية المشهورة في الصحيحين فيها: (جاءت امرأة).

والحديث يعني أن الإنسان إذا كان يهتم بأمور الدنيا ويقضي الديون التي عليه، فالأولى له أيضًا أن يقضي ديون اللَّه سبحانه وتعالى، وربما يظن البعض أن ما يتعلَّق بحقوق الإنسان أمرها سهل، وليس الأمر كذلك، بل مِن أشد الأُمور التي يخلفها الإنسان بعد مماته أن تبقى عليه ديون؛ ولذلك


(١) يُنظر: "فتح القدير" للكمال ابن الهمام (٢/ ٣٥٩) حيث قال: "وفي الصحيحين عن عائشة -رضي اللَّه عنها- عنه -عليه الصلاة والسلام-: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه"، قلنا: الاتفاق على صرف الأول عن ظاهره فإنه لا يصح في الصلاة الدين، وقد أخرج النسائي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وهو راوي الحديث الأول في سننه الكُبرى أنه قال: "لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد"، وفتوى الراوي على خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ، ونسخ الحكم يدل على إخراج المناط عن الاعتبار، ولذا صرحوا بأن من شرط القياس أن لا يكون حكم الأصل منسوخًا لأن التعدية بالجامع، ونسخ الحكم يستلزم إبطال اعتباره، إذ لو كان معتبرًا لاستمر ترتيب الحكم على وفقه".
(٢) أخرجه البخاري (١٩٥٣)، ومسلم (١١٤٨) واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>