للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة، ومالك: يلزم بالشروع فيه ولا يخرج منه إلا بعذر، فإن خرج قضى. وعن مالك: لا قضاء عليه.

واحتج من أوجب القضاء بما رُوي عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، أنها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين، فأُهدِي لنا حَيْسٌ، فأفطرنا، ثم سألنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "اقضِيَا يومًا مكانَه".

ولأنها عبادة تلزم بالنذر فلزمت بالشروع فيها، كالحج والعمرة.

والصواب: ما روى مسلم، وأبو داود، والنسائي، عن عائشة، قالت دخل عليَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا، فقال: "هل عندكم شيء؟ "، فقلت: لا. قال: "فإني صائم". ثم مرَّ بعد ذلك اليوم، وقد أُهدِي إليَّ حَيسٌ، فخبأت له منه، وكان يحب الحَيس. قلت: يا رسول اللَّه، إنه أهدي لنا حيس، فخبأت لك منه، قال: "أَدْنِيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم". فأكل منه، ثم قال لنا: "إنما مثل صوم التطوع مثل الرجلِ يُخرج من ماله الصدقة؛ فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبَسها".

وروت أم هانئ، قالت: دخلت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأُتي بشراب، فناولَنِيه فشربت منه، ثم قلت: يا رسول اللَّه، لقد أفطرت وكنت صائمة. فقال لها: "أكنتِ تقضين شيئًا؟ "، قالت: لا. قال: "فلا يضرُّكِ إن كان تطوعًا". رواه سعيد وأبو داود، والأثرم وفي لفظ قالت: قلت: إني صائمة. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن المتطوعَ أميرُ نفسه، فإن شئتِ فصومي، وإن شئتِ فأفطري". ولأن كل صوم لو أتمَّه كان تطوعًا إذا خرج منه لم يجب قضاؤه، كما لو اعتقد أنه من رمضان فبان من شعبان أو من شوال.

واعلم سائر النوافل من الأعمال حكمها حكم الصيام، في أنها لا تلزم بالشروع، ولا يجب قضاؤها إذا خرج منها، إلا الحج والعمرة، فإنهما يخالفان سائر العبادات في هذا؛ لتأكد إحرامهما، ولا يخرج منهما

<<  <  ج: ص:  >  >>