للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَقَدْ أَفْطَرْتُ وَكُنْتُ صَائِمَةً، فَقَالَ لَهَا -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أَكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئًا؟ " قَالَتْ: لَا. قَالَ: "فَلَا يَضُرُّكِ إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا" (١). وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِحَدِيثِ عَائِشَةَ -رضي اللَّه عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُلْتُ: أَنَا خَبَّأْتُ لَكَ خَبَئًا، فَقَالَ: "أَمَا إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ الصِّيَامَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ" (٢). وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ غَيْرُ مُسْنَدٍ. وَلاخْتِلَافِهِمْ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبَبٌ آخَرُ، وَهُوَ تَرَدُّدُ الصَّوْمِ لِلتَّطَوُّعِ بَيْنَ قِيَاسِهِ عَلَى صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَوْ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مُتَطَوِّعًا يَخْرُجُ مِنْهُمَا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فِيمَا عَلِمْتُ، وَزَعَمَ مَنْ قَاسَ الصَّوْمَ عَلَى الصَّلَاةِ أَنَّهُ أَشْبَهَ بِالصَّلَاةِ مِنْهُ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَهُ حُكْمٌ خَاصٌّ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُفْسِدَ لَهُ الْمَسِيرُ فِيهِ إِلَى آخِرِهِ، وَإِذَا أَفْطَرَ فِي التَّطَوُّعِ نَاسِيًا فَالْجُمْهُورُ (٣) عَلَى أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ (٤): عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ، وَلَعَلَّ مَالِكًا حَمَلَ حَدِيثَ أُمِّ هَانِئٍ عَلَى النِّسْيَانِ، وَحَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَكَذَلِكَ خَرَّجَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِقَرِيبٍ مِنَ اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَخَرَّجَ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ بِعَيْنِهِ).

من دخل في صيام تطوع، استحب له إتمامه، ولم يجب، فإن خرج منه، فلا قضاء عليه، هذا مذهب أحمد، والشافعي.


(١) أخرجه أبو داود (٢٤٥٦)، وقال الأرناؤوط: إسناده ضعيف.
(٢) أخرجه مسلم (١١٥٤).
(٣) يُنظر: "الاستذكار"، لابن عبد البر (٣/ ٣٥٥)، حيث قال: "والفقهاء كلهم من أهل الرأي والأثر يقولون: إن المتطوع إذا أفطر ناسيًا أو عليه شيء فلا قضاء عليه".
(٤) يُنظر: "الاستذكار"، لابن عبد البر (٣/ ٣٥٥)، حيث قال: "وقال ابن علية المتطوع عليه القضاء أفطر متعمدًا أو ناسيًا قياسًا على الحج".

<<  <  ج: ص:  >  >>