كتاب بغية المقتصد شرح بداية المجتهد

كتاب الاعتكاف - ج: 7 - ص: 3914

ولو كان واجبًا لما علَّقه بالإرادة. وأما إذا نذَره، فيلزمه؛ لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن نذَرَ أن يطيعَ اللَّهَ فليُطِعْه".

* قوله: (فَأَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي يَخُصُّهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ، قِيلَ: إِنَّهُ الصَّلَاةُ وَذِكْرُ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْقُرْبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ (١). وَقِيلَ: جَمِيعُ أَعْمَالِ الْقُرْبِ وَالْبِرِّ الْمُخْتَصَّةِ بِالْآخِرَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ وَهْبٍ (٢)، فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَيَدْرُسُ الْعِلْمَ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ: لَا. وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ (٣)، وَالْأَوَّلُ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ (٤)، وَأَبِي حَنِيفَةَ (٥)، وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: أَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، أَعْنِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَشْرُوعٌ بِالْقَوْلِ. فَمَنْ فَهِمَ مِنَ الِاعْتِكَافِ حَبْس النَّفْسِ عَلَى الْأَفْعَالِ

---

(١) يُنظر: "التهذيب في اختصار المدونة"، للبراذعي (١/ ٣٨١)، حيث قال: "قال مالك: ولا يشتغل في مجالس العلم، قيل له: أفيكتب العلم في المسجد؟ فكره ذلك، قال ابن نافع: في الكتاب إلا أن يكون الشيء الخفيف، وقال ابن وهب: وسئل مالك: أيجلس مجالس العلماء ويكتب العلم؟، فقال: لا يفعل إلا الشيء الخفيف، والترك أحب إليَّ".
(٢) يُنظر: "التهذيب في اختصار المدونة"، للبراذعي (١/ ٣٨١)، حيث قال: "قال ابن القاسم: ولا بأس أن يشتري ويبيع الشيء الخفيف من عيشه الذي لا يشغله".
(٣) يُنظر: "الاستذكار"، لابن عبد البر (٣/ ٣٨٨)، حيث قال: "وقال الثوري: المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة والجمعة وما لا يحسن به أن يضيع من أموره، ولا يدخل تحت سقف إلا أن يكون ممره فيه، ولا يجلس عنده أهله، ولا يوصيهم لحاجة إلا وهو قائم أو ماشٍ، ولا يبيع ولا يشتري وإن دخل تحت سقف بطل اعتكافه".
(٤) يُنظر: "الأم"، للشافعي (٢/ ١١٥)، حيث قال: "ولا يعود المريض ولا يشهد الجنازة إذا كان اعتكافًا واجبًا".
(٥) يُنظر: "شرح مختصر الطحاوي"، للجصاص (٢/ ٤٧٣)، حيث قال: "قال أبو جعفر: وإن خرج المعتكف إلى جنازة، أو إلى عيادة مريض، أو غير ذلك، سوى خروجه للغائط والبول والجمعة فسد اعتكافه في قول أبي حنيفة".