للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والصواب: أنَّ ما حرُم في الاعتكاف استوى عمده وسهوه في إفساده، كالخروج من المسجد، ولا نسلم أنها لا تفسد الصوم، ولأن المباشرة دون الفرج لا تفسد الاعتكاف، إلا إذا اقترن بها الإنزال.

* قوله: (وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي فَسَادِ الِاعْتِكَافِ بِمَا دُونَ الْجِمَاعِ مِنَ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ، فَرَأَى مَالِكٌ (١) أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (٢): لَيْسَ فِي الْمُبَاشَرَةِ فَسَاد إِلَّا أَنْ يُنْزِلَ، وَللشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ (٣): أَحَدُهُمَا: مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ، وَالثَّانِي: مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ الِاسْمُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَهُ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ؟ وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ لَهُ عُمُومًا قَالَ: إِنَّ الْمُبَاشِرَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧]. يَنْطَلِقُ عَلَى الْجِمَاعِ وَمَا دُونَ الْجِمَاعِ. وَمَنْ لَمْ يَرَ عُمُومًا وَهوَ الْأَشْهَرُ الْأَكْثَرُ قَالَ: يَدُلُّ إِمَّا عَلَى الْجِمَاعِ، وَإِمَّا عَلَى مَا دُونَ الْجِمَاعِ، فَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجِمَاعِ بِإِجْمَاعٍ بَطَلَ أَنْ يَدُلَّ عَلَى غَيْرِ الْجِمَاعِ، لِأَنَّ الِاسْمَ الْوَاحِدَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا. وَمَنْ أَجْرَى الْإِنْزَالَ بِمَنْزِلَةِ الْوِقَاعِ فَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. وَمَنْ خَالَفَ فَلِأَنَّهُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ حَقِيقَةً).


(١) يُنظر: "المدونة" (١/ ٢٩١)، حيث فيها: "في المعتكف يُقبِّل، أو يُباشر، أو يلمس، أو يعود مريضًا، أو يتبع جنازة قلت لابن القاسم: أرأيت المعتكف إذا قبَّل أو لمس أيفسد ذلك اعتكافه؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: بلغني عنه في القُبلة أنه قال: تنقض اعتكافه".
(٢) يُنظر: "التجريد"، للقدوري (٣/ ١٥٩٩)، حيث قال: "قال أصحابنا: إذا باشر المعتكف امرأته أو قبَّله بشهوة، فلم ينزل، لم يبطل اعتكافه".
(٣) يُنظر: "الأم"، للشافعي (٢/ ١١٦)، حيث قال: "ولا يفسد الاعتكاف من الوطء إلا ما يوجب الحد لا تفسده قبلة ولا مباشرة ولا نظرة أنزل أو لم ينزل، وكذلك المرأة كان هذا في المسجد أو في غيره".

<<  <  ج: ص:  >  >>