للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفطنة والمواهب إنما هي من اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فاللَّه يعطي هذا ذكاءً ونبوغًا قويًّا، وهذا يجعله متوسطًا، وهذا يجعله دون ذلك، هذا يعطيه المال، وهذا يجعله فقيرًا، وهذا يَهبه قوة في البدن، وهذا أيضًا يجعله دون ذلك لحكمة يعلمها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إذًا الصغار -أيضًا- ليسوا كلهم على نسق واحد، وهذا يعرفه كل إنسان منا أثناء التلقِّي، هؤلاء الطلاب الذين هم في فصل واحد قد يصل عددهم إلى مائة أو إلى ثمانين أو سبعين أو حتى عشرين، هل كلهم في درجة واحدة من الذكاء والفطنة؟ لا، فتجد منهم المبدع الذكي الفَطِن،

وتجد منهم المتوسط، وتجد منهم مَن هو دون ذلك، إذًا، هذه مواهب وهبها اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لعباده، كذلك هؤلاء الصغار قد تجد مِن الصغار مَن عنده من التصرف والحكمة والعقل والدراية مَن هو أحسن من الكبير، ولذلك الحَجْرُ (١) على نوعين: حَجر على صغير، وحجر على كبير، فقد تجد إنسانًا وصل الثلاثين من عمره ويحجر عليه في ماله؛ لأنه يتصرَّف تصرُّفَ السفهاء، واللَّه تعالى يقول: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} [النساء: ٥]، ثم قال: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦]، فبالنسبة للصغار فإنهم يختلفون؛ فقد تجد من الصغار مَن هو فطن فيتصرف تصرفات عظيمة ويكون في سِنِّ السابعة أو السادسة، ومنهم من هو دون ذلك.

* قال: (وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ أَخَذَ فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَشْهُورِ، وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَفِيهِ: "أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إِلَيْهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ" (٢).

وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ تَمَسَّكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عَاقِلٍ).


(١) الحَجْر: المَنْع مِنَ التصَرُّف. انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (١/ ٣٤٢).
(٢) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>