للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنا لا تصح من غير عاقل، ما معنى هذا؟ أنتم تذكرون حديث علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، وروي -أيضًا- من طريق عائشة، وهو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "رُفع القلم عن ثلاثٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يحتلم" (١)، إذًا، ذكر هنا ثلاثة؛ ذكر المجنون، وذكر الصغير، وذكر النائم، والنائم معروف أنه في وقت نومه مرفوع عنه القلم، لكنه إذا صحا يُطالب بما غفل عنه؛ كالصلاة: "مَن نام عن صلاة أو نَسِيَها فَلْيُصلها متى ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك" (٢)، لكن الحديث هنا على أن الصبي والمجنون غير مكلفين.

والحنفية (٣) يقولون: إذا قلتم بأن الحج يصح من الصبي، فكأنكم كَلَّفتموه بذلك، وهذا خلاف ما أرشد إليه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه قال: "رفع القلم عن ثلاث. . . "، وأنتم كأنكم وضعتم القلم عليه، فإذا صححتم منه هذه العبادة فكأنكم طالبتموه بالتكليف.

والجمهور يقولون: لا، نحن ما طلبناهما بالتكليف، نحن نقول: هذه قربة، وهذا عمل خير يُثاب عليه، لكن هذا لا يكفيه، كما جاء في حديث -وإن كان فيه مقال-: "أنَّ مَن حَجَّ ثم عتق، أو حج وهو صغير، فإنه يَحج بعد ذلك" (٤)، يعني: لو حج إنسان صغير ثم بلغ، فإنه يُعيد تلك الحجة، وكذلك -أيضًا- مَن حج وهو مملوك ثم أعتق، فإنه يَحج حجة الإسلام، هذا جاء في حديث فيه كلام للعلماء، ربما يَمر بنا (٥).


(١) أخرجه أبو داود (٤٤٠١) وغيره، وصححه الألباني في "الإرواء" (٢٩٧).
(٢) أخرجه البخاري (٥٧٢)، ومسلم (٦٨٤).
(٣) عند الحنفية: الحج مُشتمل على المالي والبدني، وفي نية الصبي قصور؛ ولهذا سقطت عنه الفرائض كلها. انظر: "تبيين الحقائق" للزيلعي (٢/ ٣).
(٤) معنى حديث أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٣/ ١٤٠)، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيُّما صبي حَجَّ ثم بلغ الحنث عليه أن يَحج حجة أُخرى، وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجة أُخرى، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه أن يحج حجة أخرى"، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٩٨٦).
(٥) مذهب المالكية، يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (٢/ ٤٨٢)، حيث قال: "قال =

<<  <  ج: ص:  >  >>