للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجته وعارضته، مَن يقرؤه من طلاب العلم المتمكنين يدرك المنزلة التي تبوأها الإمام الشافعي بالنسبة لعلوم الشريعة، وكذلك في اللغة، وأنت ترى في "رسالته" القوة والجزالة وقوة المعاني وقوة الألفاظ، ولذلك المؤلف ربط ذلك بالإمام الشافعي؛ لأنه هو أول من أظهر علم الأصول، ولا نقول: إنَّ من قبله من العلماء كانوا لا يعرفون الأصول، فالصحابة يعرفون الأصول، وهو مرتكز ومستقر في أذهانهم -رضي اللَّه عنهم-، فهم يعرفون الناسخ (١)، والمنسوخ (٢)، والعام والخاص، والمُطلق والمقيد، والأمر (٣) والنهي (٤)، وغير ذلك من الأُمور ذات العلاقة بأصول الفقه.

والحنفية يَدَّعون أن أبا حنيفة هو أول مَن دَوَّنه (٥)، لكن الدعوة تحتاج إلى بيِّنة، ونحن الذي وصلنا ووقفنا عليه وتناقله العلماء قبلنا هذه "الرسالة"، ومهما يكن من أمر، فالإمام الشافعي حسب ما اشتهر وظهر هو أول مَن أظهر علم أصول الفقه؛ ذلك العِلم الجليل الذي يُعتبر من خصائص هذه الأمة، فإن هذا العلم -أيضًا- يعتبر من الأسس والقواعد الجليلة، والذي يستطيع الفقيه بميزانه الدقيق أن يزن به مسائله التي يجتهد


(١) الناسخ: هو الذي يرد بعد استقرار حكم المنسوخ، (والتمكين من فعله مما ينافي بقاء حكم المنسوخ)، ويمتنع معه اجتماعهما في أمر واحد في حال واحدة لشخص واحد، فيكون الآخر ناسخًا للأول، وإن اقتضى زوال (جميعه، وإن اقتضى) بعضه فهو ناسخ لذلك البعض". انظر: "الفصول في الأصول" للرازي (٢/ ٢٧٣).
(٢) المنسوخ: هو الحكم المرفوع. انظر: "المستصفى" للغزالي (ص ٩٧).
(٣) الأمر: هو القول المقتضي طاعة المأمور. انظر: "المستصفى" للغزالي (ص ٢٠٢).
(٤) النهي: هو القول المقتضي ترك الفعل. انظر: "المستصفى" للغزالي (ص ٢٠٢).
(٥) الشافعي -رضي اللَّه عنه- أَوَّل مَن صنَّف في أُصول الفقه؛ حيث صنف فيه كتابَ "الرسالة"، وكتاب "أحكام القرآن"، و"اختلاف الحديث"، و"إبطال الاستحسان"، وكتاب "جماع العلم"، وكتاب "القياس"، الذي ذكر فيه تضليل المعتزلة، ورجوعه عن قبول شهادتهم، ثم تبعه المصنفون في الأُصول.
قال الإمام أحمد بن حنبل: "لم نكن نعرف الخصوص والعموم حتى ورد الشافعي".
وقال الجويني في "شرح الرسالة": "لم يسبق الشافعيَّ أحدٌ في تصانيف الأُصول ومعرفتها. انظر: "البحر المحيط" للزركشي (١/ ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>