للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُئِلَ مَا الِاسْتِطَاعَةُ؟ فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ") (١).

سئل: ما السَّبيل؟ قال: "الزَّاد والرَّاحلة فقوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، يعني: طريقًا.

(فَحَمَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ذَلِكَ) وأحمد أيضًا (عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ، وَلَا لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الِاكْتِسَابِ فِي طَرِيقِهِ).

إذًا الذي لا يستطيع المشي ولا يستطيع الاكتساب عند مالك لا يَجب عليه الحج، ولا يلزمه؛ لماذا؟ لأن الحج عند مالك إنَّما يجب بالبدن؛ أي: يجب على الإنسان أن يُؤدي الحج بنفسه، لا أن ينوب عنه غيره.

قال: (وَإِنَّمَا اعْتَقَدَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الرَّأْيَ)، ومن معه من الأئمة؛ (لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ: إِذَا وَرَدَ الْكِتَابُ مُجْمَلًا، فَوَرَدَتِ السُّنَّةُ بِتَفْسِيرِ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ: أَنْ لَيْسَ يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ) (٢).

والشافعيُّ هو أول واضع -كما هو معروف- لعلم أصول الفقه (٣)، وكتابه "الرسالة" كتاب قَيِّم يدل على قوة بلاغته رَحِمَهُ اللَّهُ وفصاحته وقوة


(١) أخرجه الترمذي (٨١٣)، وقال الألباني في "ضعيف الترمذي" (٣٢٠٧): "ضعيف جدًّا".
(٢) قال الزركشي في "البحر المحيط" (٥/ ٢٧٦): "قال أبو إسحاق: فقد نص الشافعي في "الرسالة القديمة والجديدة" على أن سنة الرسول لا تُنسخ إلا بسنة، وأن الكتاب لا يَنسخ السنة، ولا السنة تنسخ الكتاب، وأن كتاب اللَّه فيما للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه سنة إنما يأتي أمر ثان يَنسخ سنته، حتى يكون هو المتولي لنسخه، وسنته أن يكون ذلك؛ لئلا يختلط البميان بالنسخ، فلا يوجد لرسول اللَّه سنة ظاهر القرآن خلافها، إلا جعل القرآن ناسخًا، أو جعلت السنة إذا كان ظاهرها خلاف القرآن ناسخة للقرآن، فيكون ذلك ذريعة إلى أن يخرج أكثر السنن من أيدينا".
(٣) علم أصول الفقه: هو العلم بالقواعد التي يُتوصل بها إلى مسائل الفقه. انظر: "شرح التلويح على التوضيح" للتفتازاني (١/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>