إلا طَيِّبًا (١)، فهو يريد منك مالًا حلالًا طَيِّبًا، لا أن تذهب وتُذل نفسك وتتكفف الناس ثم تذهب للحج، فهذه الشريعة إنما بُنيت على التيسر، وعلى رفع الحرج، وعلى التَّخفيف على الناس، فاللَّه تعالى يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧]، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، فهذا لا يستطيع أن يجم مالًا؛ لِيَحج به، إذًا هو معذور، فلماذا يُضطر لهذا؟ أو أن يُفتى بأن يَسأل الناس لا يدري؛ أعطوه أو منعوه؟
أمَّا عمومِ لفظها فهو قول اللَّه تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧]، والآية -كما ترون- مطلقة عامَّة ما قَيَّدت ولا فَسَّرت الاستطاعة؛ أهذه الاستطاعة بالبدن، أو بالبدن والمال، أو أن المراد الصحة، أو غير ذلك، إذًا هي أطلقت؛ فمن الذي يُبيِّن الكتاب؟ إنما هو رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عندما نَزَّل هذا الكتاب قال:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨]، لكن هذا الكتاب اشتمل على كثير من الأحكام المُجملة التي تتطلمب بيانًا وتفصيلًا، وهذه مهمة ووظيفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهو المبين للناس. . . إذًا الرسول هو الذي يُبَيِّن، وهو الذي يبلغ الناس، كما قال تعالى:{لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ}[النحل: ٦٤]، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، إذًا الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وَرَدت عنه آثار لتفسير الاستطاعة أن المراد بها: الزَّاد والراحلة.
(١) معنى حديث أخرجه مسلم (١٠١٥) عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيها الناس، إن اللَّه طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن اللَّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. . . "، الحديث.