للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء عن المالكية، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- نهى عن مِثل هذه المسألة، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الصَّحيح: "مَن يَستعفف يعفه اللَّه، ومَن يَستغنِ يُغنه اللَّه" (١)، وبيَّن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّ مَن يسأل الناس جاء يوم القيامة وليس في وجهه مزعة (٢) من لحم (٣)، كأنه تَقَطَّع وجهه وزال اللحم الذي عليه، بمعنى: أنه ذهب عنه الحياء، وتعلمون قصة الرجل الذي جاء يسأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيقدم له الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- درهمًا؛ فيأمره بأن يشتري فأسًا وحبلًا ويحتطب (٤)، وأن يكون ذلك وسيلة للعمل.

وهكذا ينبغي على المؤمن ألا يذل نفسه للناس، بل ينبغي للمؤمن أن يكون قويًّا، أما إذا كان عاجزًا لا يستطيع أن يَعمل، ولا يُوجد من ينفق عليه، فهذه مسألة أُخرى بالنسبة لسؤال الإنسان الناس، لكن أن يذهب هذا الإنسان لِيُؤدي عبادة -ركنًا من أركان الإسلام- فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى طَيِّبٌ لا يَقبل


(١) أخرجه البخاري (١٣٦١)، ومسلم (١٠٣٤).
(٢) مزعة: قطعة يسيرة من اللحم. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٤/ ٣٢٥).
(٣) أخرجه البخاري (١٤٧٤)، ومسلم (١٠٤٠)، عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما يَزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم".
(٤) أخرجه أبو داود (١٦٤١)، عن أنس بن مالك: أنَّ رجلًا من الأنصار أتى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يسأله، فقال: "أَمَا في بيتك شيء؟ ". قال: بلى، حلس نَلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: "ائتني بهما"، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده، وقال: "مَن يشتري هذين؟ " قال رجل: أنا، آخذهما بدرهم، قال: "من يزيد على درهم"، مرتين، أو ثلاثًا، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين؛ فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: "اشتر بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومًا فأتني به"، فأتاه به، فشَدَّ فيه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عودًا بيده، ثم قال له: "اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يومًا"، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا، وببعضها طعامًا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هذا خيرٌ لك مِن أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إنَّ المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فَقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع"، وضعفه الألباني في "المشكاة" (١٨٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>