للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هي أماكن معروفة محددة، ولا يتطرق أي شك إلى المعتمر والحاج الذي يريد أن يَبدأ نُسكه منها؛ أي: يدخل في النسك، فهي مُعَيَّنة ومحددة ومعالمها واضحة، وهذا من فضل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علينا.

لكن هنا قد يرد سؤال ربما يدور في ذهن البعض: مَن الذي وَقَّت هذه المواقيت؟ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وَقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة لا إشكال؛ لأن أهل المدينة كانوا مُسلمين في زمن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذه هي دار الهجرة، وهذه طيبة الطيبة، وهي مأوى خيرة المسلمين، ولكن هل وَقَّت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأهل الشَّام: الجُحفة، والشام -كما هو معلوم- لم يكن أهلها مسلمين في ذلك الوقت، ومثل هذا بالنسبة للعراق؟

على القول الصَّحيح: أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الذي حَدَّد لهم هذه المواقيت، وإن كان بعضها يومئذ لأقوام لم يكونوا مسلمين فهذه علامة وآية على صدق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، ففي ذلكم إشارة بليغة إلى أن أهل تلك البلاد سيُسلمون، وسيُحرمون بالحج والعمرة، فبَيَّن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- تلك الأماكن التي يأتي منها هؤلاء، ومن بين هؤلاء أهل المغرب.

إذًا، هذه علامة من علامات نبوة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكما نرى -والحمد للَّه- فُتحت بلاد الشام وأصبحت بلاد إسلام، وفُتحت -أيضًا- بلاد العراق التي كانت تُعرف ببلاد فارس، وأصبحت دار إسلام ومأوى للمسلمين، بل إنَّ الإسلام قد تجاوز تلك المناطق؛ فامتد شرقًا وغربًا حتى شَمِل المعمورة، فهذا هو دين اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الذي قال عنه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: ١٩]، إذًا، هذا كما ترون من فضل اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على هذه الأمة، وسيأتي مزيد بيان لذلك عندما نتحدث عمَّن حَدَّد ذاتَ عِرق هل هو رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أو عُمر -رضي اللَّه عنه-؟

* قال: (وَأَمَّا لِأَهْلِ الشَّامِ: فَالْجُحْفَةُ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنٌ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ: يَلَمْلَمُ).

لكن لا يُشكل على ذلك لو قُدِّر أنَّ أهل نجد وأهل الرياض -مثلًا-

<<  <  ج: ص:  >  >>