للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن الذي وَقَّت ذلك إنما هو رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبعضهم كالشافعي يرى أن الذي وَقَّت هو عمر -رضي اللَّه عنه-، وهو أن أهلَ المِصْرَيْن (الكوفة والبصرة) - كما جاء في الحديث الذي في "صحيح البخاري" (١) شَكوا إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، وكان أمير المؤمنين في ذلك الوقت، وفتح العراق إنما تم في زمن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، فقالوا له: إنَّ قرن -يعني: قرن المنازل- بعيدة عن طريقهم ويلحقهم مشقة، وطلبوا منه أن يحدد لهم ميقاتًا، فقال: "انظروها إلى حذوها من طريقكم"، ولذلك قال بعض العلماء: إن الذي وَقَّته هو رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما شكا أهل المِصرين (الكوفة والبصرة) إلى عمر -رضي اللَّه عنه-، وبينوا له أنه يلحقهم مشقة وتعب وجهد في المهل الذي يحصل بسبب ذهابهما إلى قرن المنازل - أرشدهم عمر -رضي اللَّه عنه- إلى ما يَجوز من ذلك، وهو المحاذاة، ثم حدد بهم ذلك الموضع: ذات عرق، فجاء رأيه الذي اجتهد فيه موافقًا لفعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ولقوله، وعمر -رضي اللَّه عنه- كان ملهمًا (٢)، ونزل القرآن في عِدَّة مواضع مؤيدًا لرأيه، كما في أسرى


= وعند الشافعية، يُنظر: "مغني المحتاج" للشربيني (٢/ ٢٢٥)، حيث قال: "قيل: إن ذات عرق إنَّما كان باجتهاد عمر رضي اللَّه تعالى عنه، والذي في "الشرح" و"الروضة" عن ميل الأكثرين أنه بالنص. وقال في "المجموع": إنه الصحيح عند جمهور الأصحاب، والذي في "شرح المسند" للرافعي: مذهب الشافعي: أنه باجتهاد عمر، ولم يذكر غيره. وقال المصنف في "شرح مسلم": إنَّه الصَّحيح، وهو ما نَصَّ عليه في "الأم"، والرَّاجح الأول؛ لصحة الحديث المتقدم".
وعند الحنابلة، يُنظر: "مطالب أولي النهى" للرحيباني (٢/ ٢٩٧)، حيث قال: "هذه المواقيت كلها ثَبتت بالنص لا باجتهاد عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-؛ لحديث ابن عباس: "وَقَّت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأهل المدينة: ذا الحليفة، ولأهل الشام: الجحفة، ولأهل نجد: قرنًا، ولأهل اليمن: يلملم، هُنَّ لهن ولِمَن أتى عليهن من غير أهلهن مِمَّن يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله مِن أهله، وكذلك أهل مكة يهلون منها"، متفق عليه.
(١) أخرجه البخاري (١٥٣١)، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، قال: "لما فتح هذان المِصْرَان أتوا عمر، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حَدَّ لأهل نجد: قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شَقَّ علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحَدَّ لهم: ذات عرق".
(٢) أخرجه البخاري (٣٤٦٩) واللفظ له، ومسلم (٢٣٩٨/ ٢٣) عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>