للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه خلاف، يعني: الذي يتجاوز الميقات (١) ولم يُحرم هو لا يخلو؛ إما أن يعود إليه قبل أن يُحرم، وإما أن يعود إليه بعد الإحرام، فالتي يريدها المؤلف وفيها الخلاف هي الثانية: مَن يتجاوز الميقات، ثم يُحرم بعد الميقات؛ ثم يعود إلى الميقات. هذه التي فيها خلاف، أما الأولى التي لم يَعرض لها، وكان ينبغي أن يُبينها، وهي: إذا تجاوز إنسان الميقات، ثم عاد إلى الميقات قَبل أن يُحرم، فهذه لا خلاف فيها، فعليه أن يُحرم من الميقات، ولا شيء عليه، لكن الكلام فيمن تجاوز الميقات، ثم أحرم بعد أن تجاوز الميقات، يعني: سار أقرب إلى مكة، ثم عاد مرة أُخرى إلى


(١) عند الحنفية، يُنظر: "العناية شرح الهداية" للبابرتي (٣/ ١١٠)، حيث قال: "مَن دخل مكة يريد الحج أو العمرة لا يجوز له أن يَتجاوز الميقات بغير إحرام، فإن جاوز فإمَّا أن يعود إليه أو لا، فإن لم يعد وجب عليه الدم، وإن عاد، فإما أن يعود قبل الإحرام أو بعده، فإن عاد قبله سَقَط الدم بالاتفاق؛ لأنه أنشأ التلبية الواجبة عند ابتداء الإحرإم، وإن عاد بعده؛ فإمَّا أن يعود بعدما ابتدأ الطواف واستلم الحجر أو قبله، فإن عاد بعده لا يَسقط الدم بالاتفاق".
وعند المالكية، يُنظر: "مواهب الجليل" للحطاب (٣/ ١٧٠)، حيث قال: "إن لم يُحرم من الميقات المكاني مِثل أن يُقيم بمكة حتى يَحج منها، فعليه الدم، وكذلك لو مَرَّ على الميقات الذي أحرم منه أولًا، فتعداه، فعليه دم".
وعند الشافعية، يُنظر: "أسنى المطالب" لزكريا الأنصاري (١/ ٤٦٥)، حيث قال: "لو جاوز ميقاتًا مريدًا للنُّسك، ثم أحرم بالعمرة متمتعًا وبينه وبين مكة مرحلتان - لَزِمه دمان؛ دم للتمتع، ودم للإساءة، وان لم يَنو التمتع -أو بينهما دونهما- فدمٌ يلزمه للإساءة لا للتمتع؛ لفقد التمتع الموجب للدم؛ لأنه حينئذ مِن حاضري المسجد الحرام".
وعند الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٢/ ٤٠٢)، حيث قال: "ولا يجوز لمن أرأد دخول مكة أو دخول (الحرم أو) أراد (نُسكًا - تجاوز الميقات بغير إحرام)؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- وَقَّت المواقيت، ولم ينقل عنه ولا عن أحد من أصحابه: أنَّهم تجاوزوها بغير إحرام. . . أنه لو أرادها لتجارة أو زيارة أنه يلزمه. نَصَّ عليه واختاره الأكثرون؛ لأنه من أهل فرض الحج، ولعدم تكرر حاجته، فإن لم يُرد الحرم ولا نسكًا لم يلزمه بغير خلاف؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه أتوا بدرًا مرتين، وكانوا يسافرون للجهاد، فيمرون بذي الحليفة بغير إحرام، (إن كان حرًّا مسلمًا مكلفًا)، بخلاف الرقيق والكافر وغير المكلف؛ لأنهم ليسوا من أهل فرض الحج".

<<  <  ج: ص:  >  >>