للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ غَيْرُهُ: "لَا يَصِحُّ إِحْرَامُهُ"، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ إِحْرَامُ عُمْرَةٍ". فَمَنْ شَبَّهَهُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ قَالَ: لَا يَقَعُ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَمَنِ اعْتَمَدَ عُمُومَ قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]، قَالَ: مَتَى أَحْرَمَ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِتْمَامِ، وَرُبَّمَا شَبَّهُوا الْحَجَّ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِالْعُمْرَةِ، وَشَبَّهُوا مِيقَاتَ الزَّمَان بِمِيقَاتِ الْعُمْرَةِ. فَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنِ الْتَزَمَ عِبَادَةً فِي وَقْتِ نَظِيرَتِهَا انْقَلَبَتْ إِلَى النَّظِيرِ، مِثْلُ أَنْ يَصُومَ نَذْرًا فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ، وَهَذَا الْأَصْلُ فِيهِ اخْتِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ: فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهَا فِي كُلِّ أَوْقَاتِ السَّنَّةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُصْنَعُ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَجُوزُ فِى كُلِّ السَّنَةِ إِلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهَا تُكْرَهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْرِيرِهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ مِرَارًا، فَكَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّ عُمْرَةً فِي كُلِّ سَنَّةٍ، وَيَكْرَهُ وُقُوعَ عُمْرَتَيْنِ عِنْدَهُ وَثَلَاثًا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: "لَا كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ" فَهَذَا الْقَوْلُ فِي شُرُوطِ الْإِحْرَامِ الزَّمَانِيَّةِ وَالْمَكَانِيَّةِ، وَيَنْبَغِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَصِيرَ إِلَى الْقَوْلِ فِي الْإِحْرَامِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ فِي تُرُوكِهِ، ثُمَّ نَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ الْخَاصَّةِ بِالْمُحْرِمِ إِلَى حِينِ إِحْلَالِهِ، وَهِيَ أَفْعَالُ الْحَجِّ كُلُّهَا وَتُرُوكُهُ، ثُمَّ نَقُولُ فِي أَحْكَامِ الْإِخْلَالِ بِالتُّرُوكِ وَالْأَفْعَالِ، وَلْنَبْدَأْ بِالتُّرُوكِ).

هذا هو رأي الجمهور، يعني: أن الإنسان إن أحرم قبل أشهر الحج (١)


(١) أجمع العلماء على أنَّ الإحرام قبل أشهر الحج مكروه، لا لأنه قبل وقت الفعل، لكن لاحتمال أن يلحقه حرج عظيم في الامتناع عن محظورات الحج.
مذهب الحنفية، يُنظر: "تبيين الحقائق" للزيلعي (٢/ ٧)، حيث قال: "وصَحَّ تقديمه عليها لا عكسه"؛ أي: جاز تقديم الإحرام على هذه المواقيت، بل هو الأفضل، =

<<  <  ج: ص:  >  >>