للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغتسل، فجاء إليه الرسول فبلغه الرسالة؛ فما كان منه إلا أن أراه ذلك تطبيقًا عمليًّا، إذ أخرج رأسه من الثوب وهو معني قوله: تطأطأ أي: مال حتى ظهر له رأسه ليرى كيف يصنع في غسل رأسه، وأمر الذي يصب عليه الماء وهو خادمه أن يصب، فدلك رأسه وهو محرم فبين له كيف يغسل ذلك، وهذا حجة للجمهور، وليس ذلك في غسل الجنابة كما علل البعض (١).

إذًا؟ أبو أيوب رأى ذلك الفعل من الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو محرم، ثم في النهاية بيَّن له ذلك، ووضَّحه تطبيقًا عمليًّا أن هذا هو غسل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، والسنة إما نقلت إلينا قولًا، أو فعلًا، أو تقريرًا، ومعلوم أنَّ عددًا من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- كعثمان (٢)، وعلي (٣) رووا لنا وضوء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تطبيقًا عمليًّا فهذا الذي مضى من أبي أيوب مما ورد إلينا فعلًا، ويلزم أن رأى ذلك من رسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ونقله.

* قوله: (وَكَانَ عُمَرُ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَيَقُولُ: "مَا يَزِيدُهُ الْمَاءُ إِلَّا شَعَثًا" رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ) (٤).


(١) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (١١/ ١٩)، قال: ويحمل حديث أبي أيوب عند مالك: أنه ربما كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يغسل رأسه من الجنابة محرمًا، فلا يكون عليه فيه حجة، وعند غيره يحمله على العموم والظاهر؛ لأنه لم يجر في الحديث لواحد منهم ذكر الجنابة. ومحال أن يختلف عالمان في غسل المحرم وغير المحرم رأسه من الجنابة.
(٢) وأخرجه البخاري (١٥٩)، ومسلم (٤٥٨).
(٣) وأخرجه أبو داود (١١١)، عن عبد خير، قال: أتانا علي -رضي اللَّه عنه-، وقد صلى فدعا بطهور، فقلنا: ما يصنع بالطهور، وقد صلى ما يريد، إلا ليعلمنا، فأتي بإناء فيه ماء وطست فأفرغ من الإناء على يمينه، فغسل يديه ثلاثًا، ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى ثلاثًا، وغسل يده الشمال ثلاثًا، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثًا، ورجله الشمال ثلاثًا، ثم قال: من سرَّه أن يعلم وضوء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فهو هذا. وقال الألباني: إسناده صحيح. انظر: "صحيح أبي داود" (١٠٠).
(٤) أخرجه مالك في "الموطأ" (٩٠٢)، وصحَّحه الألباني في "إرواء الغليل" (١٠٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>