للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنفسه، فلما رأى بعض التغير في وجه الرجل أدرك الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قد دبّ إليه الألم عن رد هذه الهدية فأخبره الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: بأنَّ الأمر ليس في رد هديك؛ إنما هذا محظور شرعي فقال له: إنا لم نردّه عليك إلا أنا حُرُمٌ. ومعنى هذا أنه لو لم يكونوا محرمين؛ لأخذوا ذلك وأكلوه، وتقبلوا هذه الهدية والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- هو القائل: "تهادوا تحابوا" (١)، ولكن الهدية لا ينبغي أن يكون وراءها غرض دنيوي؛ أي: لا تُهدي الهدية لإنسان لتصل إلى أمر من الأُمور المحرمة شرعًا؛ بل إذا أهديت فاهد لأجل اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لتكن نابعة من المحبة في اللَّه فمن أحب في اللَّه، وأبغض في اللَّه، وأعاد في اللَّه فإنما يناول ولاية اللَّه في ذلك، فإذا أهديت فاهد نتيجة محبةٍ وودٍّ بأخيك المسلم؛ أما أن تعطي هدية لتتوصل بها إلى غرض من أغراض الدنيا؛ فهذه من الأُمور التي لا تنبغي، ولذلك نجد أنَّ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأحد العاملين على الزكاة إذ ذهب ليجيع الزكاة فأهدي إليه شيء منها؛ فلما جاء قال: هذا لكم، وهذا لي، فقال الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: فما بال أحدكم يأتي فيقول: هذا لكم، وهذا لي. فهلا جلس في بيت أبيه وأمه ينظر أن يُهدى إليه أم لا؟!! (٢).

أي: لو أنَّ الرجل جلس في بيت أبيه وأمه فهل يُهدى إليه شيء من ذلك؟!! فهذه شبهة ولذلك الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أنكر ذلك وخطب الناس وبيَّن لهم الطريق السوي، وأرشدهم إلى طريق الخير، وأنَّ الهدية التي جاءت بها الشريعة بإباحتها، والحث عليها والترغيب فيها؛ إنما هي الهدية التي لا يكون من وراءها غرض من أغراض الدنيا، أو مصلحةٌ من المصالح التي يريد الإنسان أن يصل إليها، وأن يجعلها جسرًا يعبر إليه ليبلغ غايته، وقد تكون هذه الغاية غير محمودة ليستعين بها على ظلم مسلم.

* قوله: (وَلِلِاخْتِلَافِ سَبَبٌ آخَرُ: وَهُوَ هَلْ يَتَعَلَّقُ النَّهْيُ عَنِ الْأَكْلِ


(١) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (٥٩٤)، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "تهادوا تحابوا"، وحسن إسناده الألباني في "إرواء الغليل" (١٦٠١).
(٢) أخرجه البخاري (٦٩٧٩)، ومسلم (٤٧٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>