قال: "العادة"، وَهي قضيةٌ معتبرةٌ في الأحكام الشرعية إذا أحكمت، وهي المبنية على دَلِيلِ، والفُقَهاء رحمهم الله وَضَعوا هَذه القَاعدة الفقهيَّة الكبيرة "العَادَة مُحكَّمةَ" (١)، وَكثير من الفُقَهاء بَنَوا جملةً من أحْكَامهم في مسائل الحيض استنادًا إليها، وهذا دليلٌ على اعتبارها، كمَا أن للعادة أحكامًا كثيرةً معتبرةً في البيوع والصناعات وغيرها، وتعرف عند الأُصُوليِّين بالعرف، وهو بابُ واسعٌ.
هذا تعليلٌ جَيِّدٌ، فهو يقول: دعوى أن العدد لا مفهوم له، يرد بأنه ليس كل أمرٍ لا نفهمه يكون على مستوى فهمنا، فهناك من الأمور ما لا نُدرك كنهها، وهناك من الأمور ما تظهر لنا الحكمة فيها والعلة، ومنها ما لا تظهر لنا الحكمة فيها، ولذلك نجد العلماء أحيانًا يقولون: هذه المسألة غير معقولة المعنى، وهذه معقولةُ المَعْنى، وهذه معلَّلة، وهذه غير معلَّلة، فكتاب "إعْلَام الموقعين" لابن القيِّم - وهو كتابٌ جيِّد - الذي يُحَاول أن
(١) يُنظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص ٨٩، ٩٠) حيث قال: "قال القاضي: أصلها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما رَآه المُسْلمون حسنًا، فهو عند الله حسن"، اعلم أن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في الفقه، في مسائل لا تعد كثرةً، فمن ذلك: سن الحيض، والبلوغ، والإنزال، وأقل الحيض، والنفاس، والطهر وغالبها وأكثرها، وضابط القلة والكثرة في الضبة، والأفعال المنافية للصلاة، والنجاسات المعفو عن قليلها.