للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتلمَّس الحكمةَ من أحكام الشرع، فقَدْ يصيب في بَعْضها، وقَدْ لا تكون هي عين الصواب.

وَلَكنه تلمس بجمع الأدلة والمقارنة بينها مستقرئًا الأمور في ذلك، ومحاولًا الغوص في أعماق النُّصُوص بُغْية الوصول إلى العلة، ولا شكَّ أنَّ منهَا ما هُوَ مَنصوصٌ عليه، فأحيانًا يذكر الحكم مقرونًا بعلَّته، فيُصْبح الأمر واضحًا.

وإذا ذكر الحكم من غير علة، فحينئذٍ يتردد الفقهاء، وقد تكون العلة غير مذكورةٍ، لكنها تظهر للفقيه، كما تكون دقيقةً تحتاج إلى غوصٍ وفضل تأمل، لا يُدْركها كل فقيه، وقد لا تظهر أيضًا لكافة الفقهاء.

قوله: (دُونَ نَجَاسَةٍ بِحُكْمٍ دُونَ حُكْمٍ، تَغْلِيظًا لَهَا).

النَّجاسَاتُ لَيْست كلها على درجةٍ واحدةٍ، فبَعْضُهَا مخففٌ، كما أن المَشقَّة تَسْتدعي التخفيفَ والتيسيرَ، مثلما وَرَد في قصَّة الصَّحابيَّة أم المؤمنين عندما سألت رسول الله عليه الصلاة والسلام: إنِّي امرأةٌ أُطِيلُ ذيلي وأمشي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "يُطهِّره ما بعده" (١)، يعني: هي تمشي في الأسواق، وقد يمر الثوب الطويل على بعض النجاسات، فيمر بالتُّراب، فهذا التراب يطهره، وكذلك ما ورد في النعلين (٢).

فَمِنَ النَّجاسات ما يخفف عنها، إما لعسرها، أو لوجود مَشقَّةٍ، أو لأنها أيضًا مما تعمُّ به البلوى.


(١) أخرجه أبو داود (٣٨٣)، وصَحَّحه الأَلْبَانيُّ في "صحيح أبي داود" الأم (٤٠٩).
(٢) لعل الشارح يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود (٦٥٠)، عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بأصحابه إذ خلع نَعَليه، فَوَضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم، ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته، قال: "ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ "، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن جبريل - صلى الله عليه وسلم - أتاني، فأخبرني أن فيهما قذرًا"، أو قال: "أذًىِ"، وقال: "إذا جَاء أحدُكُم إلى المسجد، فلينظر، فَإِنْ رأى في نعليه قذرًا أو أذًى فليمسحه، وليصلِّ فيهما"، وصحَّحه الأَلْبَانيُّ في "المشكاة" (٧٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>