للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ الذي كان مطلوبًا من الصحابة إيجاب ذلك، بدليل أنَّ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- غضب وأنكر عليهم لما وقفوا، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يغضب في أمر إلا أن يكون أمرًا منهيًّا عنه، وتركوا أمرًا واجبًا لا بدَّ منه.

فالتمتع كان واجبًا في حق الصحابة، ولذلك لما سئل أبو ذر -رضي اللَّه عنه-: "ألنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: "بل لنا خاصة" (١).

ففسروا ذلك بأن المراد إنما هو الإيجاب، وأما أن العمرة أو التمتع فيه شيء؛ فيرده ما جاء في حديث جابر بن عبد اللَّه الذي أخرجه مسلم في صحيحه (٢)، وغيره (٣): "أن سراقة بن مالك سأل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: بل لأبد الأبد، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، فالأولى أن يورد المؤلف هذا الحديث بجانب الحديث المذكور، وهو أن سراقة سأل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- هل العمرة خاصة بهذا العام أم للأبد؟ فقال: "بل للأبد". وفي رواية (٤): "بل لأبد الأبد"؛ وأكمل تأكيدًا للحكم بأنها دخلت في الحج إلى يوم القيامة.

والذين قالوا: إن الرسول أمرهم بالإلزام؛ لأنَّ المشركين لم يروا أن العمرة في أشهر الحج؛ بل كانوا يرون ذلك من الفجور ومن فِعْل المنكر، فأكد لهم ذلك -صلى اللَّه عليه وسلم- وأمر به ليبطل مزاعم المشركين، وليبين فسادها، وأنهم ليسوا على حق في ذلك.

* قوله: (وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَهْلِ الظَّاهِرِ صِحَّةً يُعَارَضُ بِهَا الْعَمَلُ الْمُتَقَدِّمُ).

إذا لم يصح هذا؛ فقد صح حديث سراقة الذي أخرج في صحيح


(١) لم أقف عليه بهذا اللفظ، لكن أخرجه مسلم (١٢٢٤)، قال: عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: "كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- خاصة".
(٢) أخرجه مسلم (٢٩١٥).
(٣) أخرجه البخاري (١٧٨٥).
(٤) أخرجها أبو داود (١٩٠٥)، وابن ماجه (٢٩٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>