للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (إِلَى أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ مُعَلَّل مَعْقُولُ المَعْنَى) (١).

علَى كلِّ حالٍ، فهو مجتهدٌ في هذه المسألة، ويحاول أن يتعرَّف إلى العلة، ولا يشترط أن يصيبَ الفقيه أو المجتهد عين الصواب، فهو يريد أن يتلمس العلة، ويبحث عنها، ويقدِّم شيئًا لمن يأتي بعده، وهذا هو شأن الفِقْهِ، والفقيهُ لا يأخذ الأمور من السطح، وإنَّما يدقَق فيها وينقب ويغوص ليأتي بالدُّرر، ولذلك دائمًا أَقُولُ: لا يُؤْخذ العلم ارتجالًا، ولكن عن طريق الجدِّ والمتابعة والتلقِّي من أفواه الرِّجال، وعَنْ طريق الجلوس، وتتبُّع الدُّروس، وحلقات العلم، والتردُّد على العلماء، وهكذا كان شأن العلماء.

ومَنْ قرَأ مقدِّمة السُّيوطي في كتابه "الأشباه والنظائر" يجد كيف كتب عن العلماء، بل وكيف يحصل العلم، وَكَذلك فعل غيره، فالعِلْمُ لا يُنَال بالتسويف، وإنما يحتاج إلى بذل جهد، والعلماء الكبار الذين رزقهم الله - سبحان الله وتعالى - ذكاءً وفطنةً، وبُعْدَ نظرٍ، ودقَّةً، وصفاءَ ذهن، وصلاحًا وتقوى، وهو الأساس فيما يتعلق بتَلقِّي العلم، هؤلاء كانوا يَصِلونَ كلال (٢) الليل بكلال النهار، وما كانوا ينقطعون، ومَنْ ينقطع عن العِلْمِ، ويَنْشغل


(١) يُنظر: "المقدمات الممهدات" لابن رشد الجد (١/ ٩٠، ٩١) حيث قال: "والذي أقول به في معنى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسل الإناء سبعًا من وُلُوغ الكلب فيه - والله أعلم وأحكم - إنه أمر ندب وإرشاد مخافة أن يكون الكلب كلبًا يدخل على آكل سؤره، أو مستعمل الإناء قبل غسله منه ضرر في جسمه، والنبي … وإذ لا توقيت في عدد الغسل من النجاسة، فإذا ولغ الكلب المأذون في اتخاذه في إناءٍ فيه ماءٌ أو طعامٌ، لم ينجس الماء ولا الطعام على هذا التأويل، ووجب أن يتوقى من شربه أو أكله، أَو استعمال الإناء قبل غسلِهِ مَخَافة أن يَكُون الكلبُ كلبًا، فيكون قد دأخل ذلك من لعابه ما يشبه السم المضر بالأبدان … ويدل على هذا التأويل تحديده - صلى الله عليه وسلم - لغسل الإناء سبعًا؛ لأن السبع من العدد مستحب فيما كان طريقه التداوي لا سيما فيما يتقي منه السم".
(٢) كللت من المشي أكل كلالًا وكلالةً، أي: أعييت. انظر: "الصحاح" للجوهري (٥/ ١٨١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>