للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥].

ولا شك أن ما في الآية إشارة إلى أنه تطهير البيت من النجاسة؛ سواء كانت النجاسة الحسية التي نعرفها، أو تطهير البيت -وقد طهر بحمد اللَّه- من الأصنام منذ زمن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عندما هدم الأصنام (١)، {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: ٨١].

وقَد اختلف العلماء، هل يجوز طواف المحدث أو لا (٢)؟

نَقُولُ: لا يَنْبغي للمسلم أن يطوفَ إلا وهو على طَهَارةٍ؛ سواء كان ذلك الحدث حدثًا أصغر أو أَكْبَر، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الطَّوافُ بالبيت صلاةٌ إلَّا أنَّ اللَّه أباحَ الكلام فيه" (٣)، وَاختلفَ العُلَماء في هذا الحديث وقفًا ورفعًا (٤)، ولذلك جاء اختلافهم في قضية اشتراط الطهارة من عدَمه، والرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ قال لعائشة -رضي اللَّه عنها- لما حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير ألَّا تطوفي بالبيت" (٥)، وقال مثل ذلك


(١) يُنظر: "تفسير ابن كثير" (١/ ٤١٨)، حيث قال: "قال الحسن البصري: قوله: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ}، قال: أمرهما اللَّه أن يُطهِّراه من الأذى والنجس، ولا يصيبه من ذلك شيءٌ. . . وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ}، قال: من الأوثان. وقال مجاهد وسعيد بن جبير: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} إن ذلك من الأوثان والرفث وقول الزور والرجس. قال ابن أبي حاتم: وروي عن عُبَيد بن عمير، وأبي العالية، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء وقتادة: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ}؛ أي: بِلَا إلَهَ إلا اللَّه، من الشرك".
(٢) سيأتي مفصلًا.
(٣) تقدَّم قريبًا.
(٤) يُنظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (١/ ٣٥٩)، حيث قال: "واختلف في رفعه ووقفه، ورجح الموقوف النسائي، والبيهقي، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي وزاد: إن رواية الرفع ضعيفة، وفي إطلاق ذلك نظر، فإن عطاء بن السائب صدوق، وإذا روي عنه الحديث مرفوعًا تارة، وموقوفًا أُخرى، فالحكم عند هؤلاء الجماعة للرفع. . . ".
(٥) أخرجه البخاري (٣٠٥)، ومسلم (١٢١١)، ولفظ البخاري عن عائشة قالت: خرجنا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سرف طمثتُ، فدخل عليَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا =

<<  <  ج: ص:  >  >>