للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبعض الناس نسمعه يقول: اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رؤوف رحيم، ويستقر هذا في قلبه؟

فنقول له: لكن لا يعني هذا أنك لا تخاف منه! بل لا تنسى أنه -عَزَّ وَجَلَّ- شديد العقاب أيضًا.

وقد جمع اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بين الأمرين في قوله: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣)} [غافر: ٣].

فمردُّ الأُمور ومصيرها إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فينبغي أن يكون سير المسلم، في خطين متوازيين بين الخوف وبين الرجاء، فلا يغلب الخوف فيضعف جانب الرجاء، ولا الرجاءَ فيتساهل في الخوف فيقع في الذنوب!

فعلى المسلم دائمًا أن يُحسن، ولا ييأس من رحمة اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فقد قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦)} [الحجر: ٥٦].

قال المصنف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (وَأَمَّا الفِعْلُ الَّذِي بَعْدَهَا، فَهُوَ رَمْيُ الجِمَارِ).

إذا ما انتهى الإنسان مما سبق فعليه أن يصل بعد ذلك إلى منى، وقد سميت منى بذلك لكثرة ما يمنى فيها من الدماء؛ أي: يسفك فيها من الدماء (١).

لكن هذه الدماء التي تسفك وتُسال هنا إنما هي طاعة للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وقربة إليه، وهي من أحب الأعمال إلى اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-؛ كما جاء في الحديث: "ما من عمل أحب إلى اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: من أن يسفك المسلم فيه دمًا من الدماء المباحة" (٢).


(١) قال الأزهري: "منى -مقصور-: موضع معروف بمكة، سُمِّيت منى لما يمنى بها من الدم؛ أي: يراق. يعني دماء النسك". انظر: "تهذيب اللغة"، للأزهري (١٥/ ٣٨١)، و"المطلع"، للبعلي (٢٧).
(٢) أخرجه الترمذي (١٤٩٣)، لكن بلفظ مختلف، عن عائشة أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى اللَّه من إهراق الدم، إنه ليأتي يوم =

<<  <  ج: ص:  >  >>