للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦]، وَفِيهِ بُعْدٌ فِي التَّأوِيلِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ -سُبْحَانَهُ-: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٦]، أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْمُحْصَرِ بَلْ هُوَ فِي التَّمَتُّعِ الْحَقِيقِيِّ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِذَا لَمْ تَكُونُوا خَائِفِينَ، لَكِنْ تَمَتَّعْتُمْ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (١). وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأوِيلِ قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦]، وَالْمُحْصَرُ يَسْتَوِي فِيهِ حَاضِرُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَغَيْرُهُ بِإِجْمَاعٍ) (٢).

العلماء أجمعوا أنَّ الذي قد أحرم في شهور الحج بالعمرة، ثم حل منها، وليس هو من حاضري المسجد الحرام، ثم أقام بمكة حلالا، ثم حج من عامه، أنه متمتع، عليه دم. لأن اللَّه -سبحانه- يقول: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.


(١) يُنظر: "تفسير الطبري" (٣/ ٤١١)؛ حيث قال: "حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} [البقرة: ١٩٦]، قال: "إذا أمن من خوفه، وبرأ من مرضه" وهذا القول أشبه بتأويل الآية؛ لأن الأمن هو خلاف الخوف، لا خلاف المرض، إلا أن يكون مرضًا مخوفًا منه الهلاك، فيقال: فإذا أمنتم الهلاك من خوف المرض وشدته، وذلك معنى بعيد. وإنما قلنا: إن معناه الخوف من العدو؛ لأن هذه الآيات نزلت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أيام الحديبية، وأصحابه من العدو خائفون، فعرَّفهم اللَّه بها ما عليهم إذا أحصرهم خوف عدوهم عن الحج، وما الذي عليهم إذا هم أمنوا من ذلك، فزال عنهم خوفهم".
(٢) يُنظر: "المغني" لابن قدامة (٣/ ٤١٦)؛ حيث قال: "أجمع العلماء على أن من أحرم في أشهر الحج بعمرة، وحل منها، ولم يكن من حاضري المسجد الحرام، ثم أقام بمكة حلالًا، ثم حج من عامِهِ، أنه متمتع، عليه دم، وقال القاضي: إذا تجاوز الميقات، حتى صار بينه وبين مكة أقل من مسافة القصر، فأحرم منه، فلا دم عليه للمتعة؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام، وليس هذا بجيد؛ فإن حضور المسجد الحرام إنما يحصل بالإقامة به، وهذا لم يحصل منه الإقامة، ولا نِيَّتها، ولأن اللَّه تعالى قال: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] ".

<<  <  ج: ص:  >  >>