للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَمِنْهَا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي اسْتِئْنَافِ الْحُكْمِ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ فِيمَا حَكَمَ فِيهِ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِثْلُ حُكْمِهِمْ أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَعَامَةً فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ تَشْبِيهًا بِهَا، وَمَنْ قَتَلَ غَزَالًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَمَنْ قَتَلَ بَقَرَةً وَحْشِيَّةً فَعَلَيْهِ إِنْسِيَّةٌ. فَقَالَ مَالِكٌ: يَسْتَأْنِفُ فِي كُلِّ مَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِهِ (١). وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (٢). وَقَالَ الشَّافِعِيُّ (٣): إِن اجْتَزَأَ بِحُكْمِ الصَّحَابَةِ مِمَّا حَكَمُوا فِيهِ جَازَ).

قال أبو حنيفة ومالك: يستأنف الحكم فيه؛ لأن اللَّه تعالى قال: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}.

ولكن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "أصحابي كالنجوم، بأيِّهِمُ اقتَدَيتُم اهتَدَيتُمْ"، وقال: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر، وعمر".

والصحابة أقرب إلى الصواب، وأبصر بالعلم، فكان حكمهم حُجَّة


(١) "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" للقاضي عبد الوهاب (١/ ٤٩٣)؛ حيث قال: "مسألة: إذا تكرر من المحرم قتل الصيد لزمه الجزاء لكل مرة، خلافًا لداود في قوله: لا يلزمه إلا المرة الأولى، لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}، ولم يفصل بين الصيد الأول والثاني؛ ولأنه حيوان مضمون بالتكفير، فوجب أن تتكرر الكفارة بتكرير قتل جنسه كالآدمي، والاعتبار بأول مرة بعلة أنه صيد أتلفه وهو محرم".
(٢) "شرح مختصر الطحاوي" للجصاص (٢/ ٥٧١)؛ حيث قال: " (وكلما قتل صيدًا حكم عليه كما ذكرنا)؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ}، ولم يفرق بين أول مرة وما بعدها. وقوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} لا ينفي وجوب الجزاء؛ لأن أول الآية يوجبه، وآخرها يوجب الوعيد، ولا يمتنع اجتماع الوعيد والجزاء".
(٣) "بحر المذهب" للروياني (٤/ ٣٨)؛ حيث قال: "وكل دابة من الصيد لم يسمها ففداؤها قياسًا على ما سميا فداءه الصيد الذي له مثل على ضربين، فما حكمت فيه الصحابة بالمثل لا يعدل عنه إلى غيره؛ لأن حكم الصحابة والرجوع إلى قولهم أولى من غيرهم؛ لأنهم شاهدوا التنزيل وحضروا التأويل، فهم أعلم من غيرهم، وما لم تحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى اجتهاد عدلين، فينظر إلى أقرب الثلاثة للأجناس من النعم شبهًا بالصيد المقتول فأوجبناه".

<<  <  ج: ص:  >  >>