للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"وتربتها طهورًا" (١)، وهذه من خصائص الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي أُعْطي فيها خمسًا لم يعطهن أحد قبله (٢).

وهذا الاستدلال القياسي يصلح أن يكون قاعدةً فقهيةً: "كل ما لا يجوز أن يُتَطهر به حضرًا، لم يجز أن يتطهر به سفرًا" (٣)، كما أن الجمهورَ يردُّ على الحنفية في الادعاء بأنَّ النَّبيذَ مائعٌ، وأن المَائعَ لا يَجُوز التطهُّر به في حالة وُجُود الماء.

ويردُّ الجمهور على تخصيص الحنفية الأمر في حالة السفر أنْ ليسَ في أثر عبد الله بن مسعود الذي ذَكَروه واستدلوا به أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان مسافرًا، وإنما كان في الشعاب والأودية التي كانت بضواحي مكة.

وَقَالوا أيضًا بأن المرادَ بـ "تَمْرَةٌ طَيْبَةٌ"، أنه أُلْقِيَ فيها شيءٌ من التمرات ليعذب ذلك الماء، وهذا مَعْروفٌ عندهم، وكَانَ منتشرًا، بحيث إذا كان الماء مالحًا، يلقون فيه شيئًا من التمرات حتى تَخِفَّ ملوحته، قالوا: وليس في الواقع نبيذًا، وإنما هو ماءٌ أُلقي فيه شيءٌ من التَّمرات، بَل بَعْض العُلَماء قال: ربما أن التمرات التي ألقيت فيه إنما هي كانت جافةً، يعني: يابسة، فلا تُؤثِّر في الماء، بمعنى: لا تُحوِّله نبيذًا.

وقَالَ بَعْضُ أَهْل العلم (٤): إن هَذَا الأثرَ على فرض صحَّته - وهو


(١) أخرجها مسلم (٥٢٢) بلفظ: "وجعلت تربتها لنا طهورًا، إذا لم نجد الماء".
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) قال الزركشي في "البحر المحيط في أصول الفقه" (٦/ ٢٦٠): "قال الأستاذ أبو منصور: وهذه أصول مهَّدوها من أجل أخبارٍ احتج بها أصحابنا عليهم في مواضعَ عجزوا عن دفعها، فردُّوها من هذه الوجوه التي ذكرناها، وقالوا بأمثالها في الضعف كخَبَر نبيذ التمر مع أنه مخالفٌ للقرآن، إذ القرآن دل على أنه لا واسطةَ بين الماء والتراب، وللقياس؛ لأن القياسَ يوجب أن ما امتنع التوضؤ به في الحضر امتنع في السفر، وقبلوا خبر القهقهة في الصلاة مع ضعفه ومخالفته للقياس؛ لأن القياس يوجب أن ما كان حدثًا في الصلاة، كان حدثًا في غيرها، وما لم ينقض الطهر في غيرها لا ينقض فيها".
(٤) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (١/ ٣٥٤) حيث قال: "وقيلَ: علَى تَقْدير صحَّته إنه =

<<  <  ج: ص:  >  >>