للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثالٌ فيه المن، والقصة التي وردت في ذلك وقعت في بدر، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- استشار أصحابه فيما يتعلَّق بهذه الأسرى، وهذا يبين لنا مكانة الشورى في الإسلام، فإذا كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي كان ينزل عليه الوحي يستشير الناس في أُمور تتعلَّق بمسيرة الدولة وبأمور المسلمين وأحوالهم، فما بالك بغيرهم.

فَرَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُطبِّق ما جاء في كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩]، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: ٣٨]، فالرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- يستشير أصحابه في هَؤُلَاء الأسرى، فَيَقوم أبو بكرٍ فيقول: أهلُك يا رسول اللَّه، وعشيرتُك، ويطلب أن يمنَّ عليهم، ثم يأتي عمر فيقف ويقول: يجب أن تقطع رقابهم، ثمَّ ينزل القرآن مؤيدًا لرأي عمر، لكن بعد تنفيذ الحكم، ولذلك يقول اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: ٦٧، ٦٨]، فيلقى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عمر فيقول: "كَادَ أن يصيبنَا بلاءٌ" (١).

هذه من المواضع التي أوردها العلماء، والتي نزل فيها القرآن مؤيدًا لرأي عمر.


(١) أخرجه مسلم (١٧٦٣)، حدثنا هناد بن السري، حدثنا ابن المبارك، عن عكرمة بن عمار، حدثني سماك الحنفي، قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب: لما كان يوم بدر، نظر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا. . . قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي بكرٍ وعمر: "ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ "، فقال أبو بكرٍ: يا نبي اللَّه، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فديةً فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى اللَّه أن يهديهم للإسلام، فَقَالَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما ترى يابن الخطاب؟ "، قلت: لا واللَّه يا رسول اللَّه، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فتُمَكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان نسيبًا لعمر، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت. . . وأنزل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}، فأحلَّ اللَّه الغنيمة لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>