للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- نجد أنه مَنَّ على البعض، بَل من الذين مَنَّ عليهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلٌ، قال: يا رسول اللَّه، لي خمس من البنات لا عائل لهن غيري، فيَمُن عليه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم يعود إلى مكة، فيأتي الكفار في غزوة أُحُد فيعدونه بالأموال الكثيرة، وبالمكانة، فينصرف وراء حب الدنيا، فيقع في أسر المسلمين وحده يوم أُحُدٍ، ولم يؤسر من المشركين غيره، فيأتي إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيُكرِّر ما قال، ويَطْلب من الرسول أن يمنَّ عليه لإعالته خمس بنات، والرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يأمر بضرب عنقه، وقَالَ: "لا تَمْسح عارضيك بمكة تقول: سَخرتُ بمُحمَّدٍ مرَّتين؟ "، وأمر به فقتل، وقال: "لا يُلْدغ المؤمن من جحرٍ مرَّتين" (١).

إذًا، رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مَنَّ على هذا الرجل، لكنه ما وفَّى بعده، فكانت النتيجة أنه خان اللَّه ورسوله والمؤمنين، فكانت النهاية قطع عنقه؛ لأنه خان العهد الذي التزم به، فلم يوفِّه، وَبِهَذَا نتبيَّن أن المسلك الذي سلكه جمهور العلماء هو في نظرنا المسلك الرشيد، وأنَّ الإِمَامَ بالنسبة للنساء والأطفال لا يقتلون؛ لأنه لا يجوز قتلهم، إذْ نَهَى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن قتل النساء والصبيان، وقد جاء التفصيل الذي ذكرناه في هذه المسألة، وهو أولى بالرشد، وهو الذي تلتقي حوله النصوص التي وردت في كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وفي سُنَّة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يتعلَّق بهذا الموضوع.

* قوله: (وَحَكَى الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ (٢)، وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ الآيَةِ فِي هَذَا المَعْنَى).


(١) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (٩/ ١١١).
(٢) يُنظر: "تيسير البيان لأحكام القرآن" لابن نُور الدِّين (٤/ ١٤٨) حيث قال: "وبهذا المعنى يقول من مغ قتل الأسارى، ولكن يمن عليهم، أو يفادوا.
قال الحسن البصري: دفع الحجاج أسيرًا إلى ابن عمر ليقتله، فقال ابن عمر رضي اللَّه تعالى عنه: ليس بهذا أمرنا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فقرأ: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} إلى قوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}.
ويحكى عن عطاء والضحاك.
وادَّعى الحسن بن محمد التميمي أنه إجماع من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>