للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ مُعَارَضَةُ قَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)} [البقرة: ١٩٠]).

{وَلَا تَعْتَدُوا}، هو محلُّ الشاهد؛ لأنه نقل عن ابن عباس أنه قال: "لا تقتلوا شيخًا، ولا امرأةً" (١)، فهذا الذي كان ينبغي أن يرده المؤلف، وقد أشار إليه ابن جرير رَحِمَهُ اللَّهُ (٢)، وغيره في "تفسيره" (٣)، وذُكِرَ أيضًا عن ابن عباس.

وَالاعتدَاءُ لم يَرِدْ في كل أَمْرٍ من الأُمور، ولا يَقْتَصر الاعتداءُ على اعتداء المسلم على الكافر، وإذا كان هذا النهي عن الاعتداء على هذا التفسير، وهذا الذي نقل عن ابن عباس بالنسبة للنساء، وكذلك الشيوخ الكفار، فما بالك بمَنْ يعتدي على أخيه المسلم، ويسلبه حقه، أو يظلمه، أو يتكلم في حقه، أو يسيء إليه، أو يسيء إلى سُمْعته، أو يلصق به أمرًا ليس منه؟!

ولذلك، نجد أن اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)} [الأحزاب: ٥٨]، ويقول في قصة الإفك: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: ١٥].


(١) سبق تخريجه.
(٢) يُنظر: "جامِع البيان" للطبري (٣/ ٥٦٣) حيث قال: "عن ابن عباس: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)}، يقول: لا تقتلوا النساء، ولا الصِّبيان، ولا الشيخ الكبير، وَلا مَنْ ألقى إليكم السَّلَمَ وكفَّ يَده، فإن فَعلتم هذا فقد اعتديتم".
(٣) ينظر: "التفسير الكبير" للرازي (٥/ ٢٨٨) حيث قال: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}، ثم بعده: {وَلَا تَعْتَدُوا} هذا القدر، ولا تقاتلوا مَنْ لا يقاتلكم، فثبت أن هذه الآية مانعة من قتال غير المقاتلين"، يُنظر: "تفسير القرطبي" (٢/ ٣٥٠) حيث قال: "وقيل: {وَلَا تَعْتَدُوا}؛ أي: لا تقاتلوا مَنْ لم يقاتل، فعلى هذا تكون الآية منسوخةً بالأمر بالقتال لجميع الكفار".

<<  <  ج: ص:  >  >>