فهذه الشريعة الإسلامية: شريعة كاملة شاملة، لا يتطرَّق إليها نقص، وما طرق العالم كله ولا وجد فيه مثل هذه الشريعة، ولا أشمل ولا أكمل منها.
وذلك: أنها شريعة اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وهو الذي أنزلها، وهو الذي كما قال في القرآن عن نفسه:{يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه: ٧]. وهو -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الذي قال أيضًا: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩)} [غافر: ١٩]. وهو القائل: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٣ - ١٤].
نقول: بلى يعلم كُلَّ أحوال هؤلاء القوم، وما تستقرّ به أمورهم، وما يفعلونه في هذه الحياة الدنيا، وما ينالون به جنة {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}[آل عمران: ١٣٣].
وذلك: عندما يلقون ربهم -عَزَّ وَجَلَّ- في يوم لا ينفع فيه: {مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)} [الشعراء: ٨٨ - ٨٩].
إن سبب الخلاف في هذه المسألة؛ (أي: في حكم دعوة الكفار قبل قتالهم): التعارض الظاهري بين ما جاء عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من قول في ذلك، وبين ما ورد من فعله -صلى اللَّه عليه وسلم-.
فإن هذا الحديث الذي ذكره المؤلف -رَحِمَهُ اللَّهُ- يدلُّ على أن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا أرسل سريَّة، أو بعث بعثًا، أمر أمير تلك السرية، أو البعث: أن يدعو أولئك الأقوام؛ إلى واحدة من خصال ثلاث -أو خلال ثلاث-