للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْتَشِرَ الدَّعْوَةُ بِدَلِيلِ دَعْوَتِهِمْ فِيهِ إِلَى الهِجْرَةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ رَجَّحَ القَوْلَ عَلَى الفِعْلِ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ حَمَلَ الفِعْلَ عَلَى الخُصُوصِ (١)، وَمَنِ اسْتَحْسَنَ الدُّعَاءَ، فَهُوَ وَجْهٌ مِنَ الجَمْعِ) (٢).

أولى هذه الآراء الثلاثة: لا شكَّ أنَّ الرأي الثالث، والذي أشرنا إليه: هو الأولى؛ لما فيه من الجمع بين الأدلة، وخروج من الخلاف.

فتكرار دعوة الكفار قبل قتالهم من قِبَل قائد الجيش أو السرية، أو من عموم أفراده: شيء طيب.

فإن لم تتكرر: فلا إثمَ على مَن لم يفعلها؛ لأن الدعوة قد بلغت أولئك الأقوام من الكفار المقاتلين.

ولذلك لمَّا سُئل الإمام أحمد عن مثل هذه القضية؟ قال: كان ذلك في أول الإسلام (٣)، أما بعد أن انتشر الإسلام، وامتدَّ ضياؤه في كلِّ مكان: فإن الدعوة أصبحت كافية في ذلك عن تكرارها.

ونحن نرى الإسلام الآن: موجودا - بفضل الله سُبْحانه وتعالى - في كلِّ مكان؛ حتى في البلاد التي لا تدين بالإسلام أصلًا، فنجد أنه يعيش فيها عدد من المسلمين.


(١) يُنظر: "الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي" (٢/ ١٧٦)، حيث قال: " (ودعوا) وجوبًا (للإسلام) ثلاثة أيام بلغتهم الدعوة أم لا ما لم يعاجلونا بالقتال".
(٢) يُنظر: "المبسوط" للسرخسي (١٠/ ١٢٠)، حيث قال: "ولا شيء على من قتل المرتدين قبل أن يدعوهم إلى الإسلام؛ لأنهم بمنزلة كفار قد بلغتهم الدعوة، فإن جددوها فحسن، وإن قاتلوهم قبل أن يدعوهم فحسن".
(٣) يُنظر: "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" للكوسج (٨/ ٣٨٨٤)، حيث قال: "قلت: هل يدعون قبل القتال، قال: لا أعرف اليوم أحدًا يدعى". وانظر: "المغني" لابن قدامة (٩/ ٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>