للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأصبحت لهم القوة، والهيبة، والمكانة، وأنزل الله سُبْحانه وتعالى رهبتهم في صدور أعدائهم، وسيأتي الكلام عن ذلك إن شاء الله تفصيلًا.

قوله: (فَأَمَّا هَلْ تَجُوزُ المُهَادَنَةُ؟ فَإِنَّ قَوْمًا أَجَازُوهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ إِذَا رَأَى ذَلِكَ الإِمَامُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ) (١).

علة هذا: أن الأمر راجع لما يراه الإمام، فإنه ينظر إلى ما فيه مصلحة المؤمنين، وقد يظهر له ما لا يظهر لغيره؛ لأنه يدرك ما يدركه عامة الناس، ويعرف ما عرفوا وزيادة، وهذا من باب السياسة الشرعية، وهو جائز، فله أن يعقد الهدنة مع الأعداء؛ إذا كان ذلك في مصلحة المؤمنين، وله أن يحدِّدها بزمن قريب، أو بعيد، وله أن يبدلها، وكل هذا يرجع إلى المصلحة العامَّة للأمة.

قوله: (وَقَوْمٌ لَمْ يُجِيزُوهَا إِلَّا لِمَكَان الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ لِأَهْلِ الإِسْلَامِ مِنْ فِتْنَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) (٢).


(١) مذهب الحنفية، يُنظر: "فتح القدير" للكمال لابن الهمام (٥/ ٤٥٥)، حيث قال: " (قوله: وإذا رأى الإمام أن يصالح أهل الحرب أو فريقًا منهم) بمال وبلا مال، وكان ذلك مصلحة للمسلمين فلا بأس به قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، والآية وإن كانت مطلقة لكن إجماع الفقهاء على تقييدها برؤية مصلحة للمسلمين في ذلك بآية أخرى هي قوله تعالى: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} فأما إذا لم يكن في الموادعة مصلحة فلا يجوز بالإجماع".
ومذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي" (٢/ ٢٠٥، ٢٠٦)، حيحث قال: " (و) يجوز (للإمام)، وينبغي أو نائبه فقط (المهادنة)، أي: صلح الحربي مدة ليس هو فيها تحت حكم الإسلام (لمصلحة) ".
ومذهب الشافعية، يُنظر: "تحفة المحتاج" للهيتمي (٩/ ٣٠٤)، حيث قال: "الهدنة لغة: المصالحة، وشرعا مصالحة الحربيين على ترك القتال المدة الآتية بعوض، أو غيره، وتُسمَّى موادعة، ومسالمة، ومعاهدة، ومهادنة، وهي جائزة لا واجبة، أي: أصالة، وإلا فالوجه وجوبها إذا ترتب على تركها إلحاق ضرر بنا لا يتدارك".
(٢) يُنظر: "شرح منتهى الإرادات" للبهوتي (١/ ٦٥٥)، حيث قال: " (ولا تصح) الهدنة (إلا حيث جاز تأخير الجهاد) لنحو ضعف بالمسلمين أو مانع بالطريق (فمتى رآها=

<<  <  ج: ص:  >  >>