للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقيقة الأمر: أنه لا خلاف في جواز مهادنة المسلمين لأعدائهم في حالة الضرورة. فإذا كان المسلمون في حالة ضعف، ويخشى الإمام أن يتسلَّط عليهم العدو، ويفتك بهم ويقتلهم؛ فله أن يعقد معهم مهادنة في هذه الحالة بلا خلاف.

لكن في حالة السعة: هل يجوز ذلك، أو لا يجوز؟ (١).

للعلماء أقوال متعددة في ذلك سيعرضها المؤلف رَحِمه الله في هذا الكتاب.

قوله: (إِمَّا بِشَيْءٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ لَا عَلَى حُكْمِ الجِزْيَةِ).

فقد يكون في المسلمين ضعف شديد، وربما يكون فيهم أيضًا اختلاف - كما ذكرنا قبل قليل - عن حال المسلمين أيام التفرق، فالدولة الإسلامية كما نعلم مرَّت بفترات ضعف، بعد أن كانت قد بلغت القمة في عزَّتها، وارتقت لأعلى درجات المجد في أوائل العصر العباسي.

فهذا خليفة المسلمين هارون الرشيد، كان ينظر إلى السحابة - وهي في السماء - ويقول لها: أمطري حيث شئت؛ فسيأتيني خراجك! (٢).

فهذا دليل على اتساع رقعة الدولة الإسلامية، وانتشارها، وامتدادها في كل مكان.

ثم أخذ الضعف يدبُّ في تلك الدولة الإسلامية، إلى أن وصلت إلى


= الإمام مصلحة ولو بمال منا ضرورة) كخوفه على المسلمين هلاكًا أو أسرًا (مدة معلومة جاز وإن طالت) المدة".
(١) سيأتي.
(٢) هذا اشتهر على ألسنة المعاصرين ولم أقف على من نسبه لهارون الرشيد من المتقدمين، لكن الذي وقفت عليه أنه من كلام هشام بن عبد الملك.
يُنظر: "سبل الهدى والرشاد"، للصالحي (٣/ ١٢٨)، حيث قال: "واتفق ذلك في زمن هشام بن عبد الملك حتى جيء إليه خراج الأرض شرقًا وغربًا، وكان إذا نشأت سحابه يقول: "أمطري حيث شئت فسيصل إليّ خراجك".

<<  <  ج: ص:  >  >>