للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَامِّ أُرِيدَ بِهِ الخَاصُّ، فَاشْتَرَطَ فِيهِ اللَّذَّةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَآه مِنْ بَابِ العَامِّ أُرِيدَ بِهِ العَامُّ، فَلَمْ يَشْتَرِطِ اللَّذَّةَ فِيهِ، وَمَنِ اشْتَرَطَ اللَّذَّةَ، فَإِنَّمَا دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ مَا عَارَضَ عُمُومَ الآيَةِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَلْمِسُ عَائِشَةَ عِنْدَ سُجُودِهِ بِيَدِهِ، وَرُبَّمَا لَمَسَتْهُ (١). وَخَرَّجَ أَهْلُ الحَدِيثِ حَدِيثَ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّهُ قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَقُلْتُ: مَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتِ؟ فَضَحِكَتْ" (٢). قَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذَا الحَدِيثُ وَهَّنَهُ الحِجَازِيُّونَ، وَصَحَّحَهُ الكُوفِيُّونَ، وَإِلَى تَصْحِيحِهِ مَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ، قَالَ: وَرُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْبَدِ بْنِ نُبَاتَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ ثَبَتَ حَدِيتُ مَعْبَدِ بْنِ نباتَةَ فِي القُبْلَةِ، لَمْ أَرَ فِيهَا وَلَا فِي اللَّمْسِ وُضُوءًا).

الَّذين قالوا: إنَّه ينقض مطلقًا ولو بغير شهوةٍ، أو قصدٍ، استدلوا بقوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: ٦]، وفي قراءة سبعية: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، والمسُّ واللَّمسُ مَعْناهما وَاحدٌ، وهو الجسُّ باليد أو بغيرها، فَيَكون مسُّ المَرأة ناقضًا للوضوء.

فإن قيل: الآية ليس فيها قيد الشهوة، إذ لم يقل الله: "أو لامستم النساء بشَهوةٍ"، فالجواب: أن مظنة الحدث هو لمسٌ بشهوةٍ، فَوَجب حَمْلُ الآيَة عليها، وُيؤيِّد ذلك أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُصلِّي من الليل، وكانت عائشة - رضي الله عنهما - تمدّ رجليها بين يديه، فإذا أراد السجود غَمَزها، فكفت رجليها، ولو كان مجرد اللمس ناقضًا لانتقض وضوءُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.


(١) أخرج مالك في "الموطإ" (١/ ٢١٤): أن عائشة أم المؤمنين قالت: كنت نائمةً إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ففقدته من الليل، فلمسته بيدي، فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد، يقول: "أعُوذُ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".
(٢) أخرجه الترمذي (٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>