للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلأنَّ إيجابَ الوضوءِ بمُجرَّد المس فيه مشقةٌ عظيمةٌ، إذْ قلَّ مَنْ يَسْلم منه، ولا سيَّما إذا كان الإنسان عنده أمّ كبيرةٌ، أو ابنةٌ عمياء، وأمسك بأيديهما للإعانة أو الدلالة، وما كان فيه حرج ومشقَّة فإنه منفيٌّ شرعًا.

قَوْله: (وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ الوُضُوءَ مِنَ اللَّمْسِ بِاليَدِ بِأَنَّ اللَّمْسَ يَنْطَلِقُ حَقِيقَةً عَلَى اللَّمْسِ بِاليَدِ، وَيَنْطَلِقُ مَجَازًا عَلَى الجِمَاعِ، وَأَنَّهُ إِذَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَ الحَقِيقَةِ وَالمَجَازِ، فَالأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الحَقِيقَةِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى المَجَازِ، وَلِأُولَئِكَ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ المَجَازَ إِذَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ كَانَ أَدَلَّ عَلَى المَجَازِ مِنْهُ عَلَى الحَقِيقَةِ؛ كَالحَالِ فِي اسْمِ الغَائِطِ الَّذِي هُوَ أَدَلُّ عَلَى الحَدَثِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مَجَازٌ مِنْهُ عَلَى المُطْمَئِنَّ مِنَ الأَرْضِ الَّذِي هُوَ فِيهِ حَقِيقَةٌ. وَالَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ اللَّمْسَ وَإِنْ كَانَتْ دَلَالتُهُ عَلَى المَعْنَيَيْنِ بِالسَّوَاءِ أَوْ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ أَنَّهُ أَظَهَرُ عِنْدِي فِي الجِمَاعِ وَإِنْ كانَ مَجَازًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قَدْ كَنَّى بِالمُبَاشَرَةِ وَالمَسِّ عَنِ الجِمَاعِ، وَهُمَا فِي مَعْنَى اللَّمْسِ، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي الآيَةِ يُحْتَجُّ بِهَا فِي إِجَازَةِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ دُونَ تَقْدِيرِ تَقْدِيمٍ فِيهَا، وَلَا تَأْخِيرٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَعْدُ، وَتَرْتَفِعُ المُعَارَضَةُ الَّتِي بَيْنَ الآثَارِ وَالآيَةِ عَلَى التَّأْوِيلِ الآخَرِ).

الذين قالوا: إنَّه ينقض مطلقًا ولو بغير شهوةٍ، أو قصدٍ، استدلوا بعموم الآية.

وأَجَابوا عن حديث عائشة بأنه يحتمل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يمسها بظفره، والظفر في حكم المنفصل، أو بحائلٍ، والدليل إذا دَخَله الاحتمال، بَطَل الاستدلال به، وَفِي هذا الجواب نظر، وهذا ليس بِصَرِيحٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>