للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُمُ الَّذين يخشون الله حقَّ خشيتِهِ، وهم الذين - كما قلنا - شَمَّروا عن ساعد الجدِّ، وأفْنَوا أعمَارَهم، وعَكَفوا عند الدروس، واستفادوا من العلماء، ونهلوا من هذا العلم، حتى شذى كل واحدٍ منهم، هؤلاء هم الذين يُقْتدَى بهم.

وأيضًا نقصد بأولئك العلماء الَّذين التزَموا أيضًا منهجَ كتاب - عز وجل -، ومنهجَ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فكَمْ مَنْ يدَّعي العلمَ وهُوَ وَبالٌ على العلم، فهناك مَنْ يدَّعون العلمَ وهم يُحَاربون العِلْمَ، فيما يَتَعلَّق بالخُرَافات، ونَشْر البدَع، وصَرْف النَّاس عن دين الله، هؤلاء لا يَنْبغي أن يُقْتدى بهم، فهم الذين حذَّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهم.

وإذا كان - عليه الصلاة والسلام - يقول في وَصْف الخوارج: "تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كمَا يَمْرُق السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ" (١)، فأُولَئك الخوارجُ كانوا يُقَاتلونَ، وَيَظنُّون أنَّهمْ على حقٍّ، لَكنَّهم في الحقيقة {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: ١٠٤].

يَنْبغي لطَالِبِ العِلْمِ دائمًا أن يَسْترشدَ بما في الكتاب والسُّنَّة، وأن يأخُذَ أيضًا بأقوال العُلَماء الأعلام الذين يَدْعون إلى منهج السلف الصالح، الذي أرشد إليه الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "افْترقَت النَّصارى على إحْدَى وسَبْعين فرقةً، وافترقت اليهود على اثنتين وسبعين فرقةً، وستَفْترق هذه الأُمَّة على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً، كلّها في النار إلا واحدة". قيلَ: مَنْ هي يا رسول الله؟ قال: "مَنْ كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" (٢).


(١) أخرجه البخاري (٥٠٥٨).
(٢) أخرجه ابن ماجه رقم (٣٩٩٢)، وقال الأرناؤوط: صحيحٌ لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>