للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المحققون من أئمة مذهب الحنابلة فإنهم يذهبون إلى هذه الرواية الثالثة المتوافقة مع مذهب الإمام أبي حنيفة رَحِمَهُ اللهُ.

* قوله: (وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مَا يُظَنُّ مِنَ التَّعَارُضِ بَيْنَ آيَةِ سُورَةِ الأَنْفَالِ وَآيَةِ سُورَةِ الحَشْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ آيَةَ الأَنْفَالِ تَقْتَضِي بِظَاهِرِهَا أَنَّ كُلَّ مَا غُنِمَ يُخَمَّسُ وَهُو قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: ٤١]، وقَوْله تَعَالَى في آيَةِ الحَشْرِ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: ١٠] عَطْفًا عَلَى ذِكْرِ الَّذِينَ أَوْجَبَ لَهُمُ الفَيْءَ).

وليس هناك تعارضٌ ولا نسخٌ، بل إن الآيتين - في حقيقة الأمر - إنما هما آيتان مُحكَمَتان؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال في آية الأنفال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، وقال سبحانه وتعالى في آية الحشر: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٧)} ثم قال بعدها سبحانه وتعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨)}.

فالصّنف الأول المذكور في الآية: هم أولئك الفقراء المهاجرين الذين أَخرَجَهُم الكفارُ من ديارهم واستولوا على أموالهم، فهؤلاء المهاجرون بهم فقرٌ وحاجةٌ لكونهم إنما خرجوا من ديارهم وهاجروا منها دون أموالٍ، والذين ما فعلوا كل هذا إلا ابتغاء رضوان الله ووجهه سبحانه وتعالى، ولذا فإنهم خرجوا وتركوا وراءهم ما تركوه نصرةً لدين الله سبحانه وتعالى ونصرةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أجل هذا كان هذا الصنف مستحِقًّا لأن ينال من الفيء.

أما الصنف الثاني: فهم مَن ذَكَرَهم الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>