للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: (وأَمَّا المَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ كَمِ الوَاجِبُ؟).

بعد الوقوف على مشروعية الجزية وثبوتها كتابًا وسُنةًّ وإجماعًا، تأتينا هذه المسألة في القَدْرِ المُتَعَيِّنِ أَخْذُهُ مِن أهل الجزية.

وجملة الأقوال في هذه المسألة ثلاثة:

- القول الأول: أنَّ الجزيةَ غيرُ مُقدَّرةٍ، وإنما مَرَدُّ ذلك وَمَرجِعُهُ إلى الإمام (١)، فيحدد مقدارها بما يرى فيه مصلحة المسلمين، كما هو الحال في مسائلَ كثيرةٍ وبخاصة في أحكام الجهاد؛ لأن هذا الإمام إنما هو خليفة الله في الأرض، فهو الذي ينظر في شؤون الناس ومصالحهم؛ ولذلك أَعْطَتْهُ الشريعةُ كثيرًا من الأحكام، وهو ما يُعرَف بالسياسة الشرعية والمصالح المُرسَلة، فللإمام أحيانًا أن يُعَزِّر أو أن يرفع التَّعزيرَ، وله أن يَسُنَّ بعض الأحكام التي لا تتعارض مع الشريعة، فالشريعة الإسلامية ليست ضَيِّقَةً وإنما هي واسعةُ الرِّحابِ، ولذا فقد أَعْطَت الحاكِمَ جملةً من الأحكام.

- القول الثاني: أن لها بدايةً ووسطًا ونهايةً، فالفقير ومتوسط الحال والغني يتفاوتون فيما بينهم في القدر الذي يؤخذ من كل واحدٍ منهم، وقد أُمِرْنَا أن نُنْزِلَ الناسَ مَنازِلَهُم، فكل إنسان على قَدْرِ حاله، حتى لا يُفرَض على فقيرٍ ما لا يُطيق، ولا يُسَوَّى غنيٌّ واسع الحال بغيره ممن هو دونه (٢).

- القول الثالث: إن بدايتها مُحَدَّدَةٌ وأنه لا نهايةَ لها (٣)؛ لمعنى ما


(١) المشهور عند الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع"، للبهوتي (٣/ ١٢١)؛ حيث قال: " (ومرجع جزية وخراج: إلى اجتهاد الإمام وتقدم) في الأرضين المغنومة".
(٢) وهو مذهب الحنفية، يُنظر: "التجريد"، للقدوري (١٢/ ٦٢٣٦)، قال: "الجزية على مراتب: توضع على الغني المكثر ثمانية وأربعين، وعلى المتوسط أربعة وعشرون، وعلى الفقير المعتمل اثنا عشر درهمًا".
(٣) وهو مذهب الشافعية ورواية عند الحنابلة.
في مذهب الشافعية، يُنظر: "بحر المذهب"، للروياني (١٣/ ٣٤٧)، قال: "فذهب الشافعي إلى أن أقلها مقدر بدينار لا يجوز الاقتصار على أقل منه من غني ولا فقير، وأكثرها غير مقدر، وهو موكل إلى اجتهاد الإمام".=

<<  <  ج: ص:  >  >>