ومع ذلك لو أن إنسانًا اضطرَّ إلى أكل الميتة فإنه يجوز له ذلك؛ لأن الله تعالى يقول:{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ}[المائدة: ٣]، مما يدل على إباحة الأكل حينئذٍ، ومع ذلك ذَهَبَ العلماء إلى أن العاصيَ لا يأكل في حالة المخمصة؛ لأنه عاصٍ لله، وهذه الرخصة قَصَرَهَا الله - سبحانه وتعالى - على المضطر.
وهنا يُشكِل علينا: أن هذا قد يهلك، والله تعالى يقول:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥].
والجواب: أنه إن خشي الهلاكَ فإنه يرجع إلى طريق الحقِّ والصوابِ، فيتوب إلى الله - سبحانه وتعالى - ويَعدِل عن معصيته، وحينئذٍ يأكل منها.
إذن؛ شريعة الإسلام كلما أمعن الإنسان النظر فيها وَجَدَ أنها شريعةٌ متكاملةٌ محيطةٌ بكل حاجات الناس، وأنها تعالج أسقامَهم (١) علاجًا شافيًا ليس فيه أيُّ خللٍ، مَن التَزَمَ بها سَعَدَ في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنها ضَلَّ وشَقِيَ، كما قال الله - سبحانه وتعالى -: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (١٢٦)} [طه: ١٢٣ - ١٢٦].
فنحن ينبغي علينا أن نتبين ما في هذه الشريعة من فضائل، هذه الشريعة العظيمة التي عزف عنها أناسٌ ممن ينتسبون إلى الإسلام، فصاروا يتحاكمون إلى قوانين البشر الوضعية التي هي أشبه ما تكون بسرابٍ سرعان ما يزول، تجدهم يضعون الأحكام ثم يغيرونها، أما هذه الشريعة فقد مضى عليها ألف وأربعمائة وعشرون عامًا، وهي كما هي قائمةٌ ثابتةٌ، غضةٌ طريةٌ كما أُنزِلَت على محمد بن عبد الله لا تتغير ولا تتبدل، ولا تحتاج إلى ما يُكَمِّلُهَا، فهي شريعة الله الخالدة الكاملة المحيطة بكل شؤون الناس.