للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَن حَلَفَ بغير الله فقد أَشْرَكَ" (١)، وفي روايةٍ: "مَن حَلَفَ بغير الله فقد كَفَرَ" (٢).

وهذا مما نَتَبَيَّنُ به علاقة الأيمان بالعقيدة؛ لأن الحالف بغير الله إنما قد عَظَّمَ ذلك المحلوفَ عليه ورَفَعَهُ عن منزلته، والتعظيم المُطْلَقُ لا ينبغي أن يكون إلا لله - سبحانه وتعالى -؛ ولذلك نجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سَمِعَ رجلًا يقول: "ما شاء اللهُ وشئتَ"، قال: "جعلتَ لله مثلًا! قل: ما شاء اللهُ ثم شئتَ" (٣)؛ لأن (الواو) تقتضي الاشتراك (٤)، أما (ثُمَّ) فإنها تقتضي المخالفة (٥)؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أنكر على الرجل من باب صيانة التوحيد والمحافظة عليه والحرص على ألا يُخْدَشَ (٦)، ولذلك جاء في الحديث: "مَن حَلَفَ باللَّات والعُزَّى فليقل: لا إله إلا الله" (٧)، فَأَمَرَهُ أن يَذكُرَ اللهَ وأن يَرجِعَ إليه ويستغفره سبحانه وتعالى، فكلنا خطاؤون، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "كلكم خطاؤون، وخير الخطائين التوابون" (٨)؛ فلا ينبغي للمسلم أن يحلف


(١) أخرجه أبو داود (٣٢٥١)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٥٦١).
(٢) أخرجه الترمذي (١٥٣٥)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٥٦١).
(٣) أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص ٤٢٠)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (١٣٨).
(٤) يُنظر: "علل النحو"، لابن الوراق (ص ٣٧٧)؛ حيث قال: "اعلم أن (الواو) أصل حروف العطف، والدليل على ذلك أنها لا توجب إلا الاشتراك بين الشيئين فقط في حكم واحد، وسائر حروف العطف توجب زيادة حكم على هذا".
(٥) يُنظر: "اللباب في علل البناء والإعراب"، لأبي البقاء العكبري (١/ ٤٢٢)؛ حيث قال: "و (ثم) كالفاء فِي التشريك والترتيب إلا أنها تدل على المهلة إذ كانت أكثر حروفًا من الفاء وقد جاءت لترتيب الأخبار لا لترتيب المخبر عنه كقوله تعالى {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} وقال: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} وتقول: زيد عالم كريم ثم هو شجاع".
(٦) الخدوش: الكدوح. انظر: "الصحاح"، للجوهري (٣/ ١٠٠٣).
(٧) أخرجه البخاري (٤٨٦٠)، ومسلم (١٦٤٧).
(٨) أخرجه ابن ماجه (٤٢٥١) عن أنس، قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون". وحسنه الألباني في "المشكاة" (٢٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>