للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحِبَها في النار، بأن يُقسِم الإنسان بالله وهو كاذبٌ، أو أن يَشهَدَ شهادةَ زورٍ، أو يُقسِم كاذبًا على أنَّ له حقًّا في شيءٍ ليقتطع به حق امرئٍ مُسلِمٍ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ".

وفي حديث آخر: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ قِطْعَةً، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ" (١)، فلا يَظُنُّ مَن يُحكَمُ له بِحُكمٍ مِن الأحكام وهو يَعلَمُ في نفسه أنه حق لأخيه أنه أَفْلَتَ بيمينه، بل إنَّ هَذا الحكم لن يُعفِيكَ مِن العقوبة أمام الله سبحانه وتعالى، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" (٢).

ومن هنا يأتي الفرق بين الشريعة والقانون، فالقانون ينتهي دَوْرُهُ بالحُكم بين الناس، أما الشريعة فعلى خلاف ذلك؛ حيث يأتي فيها دَوْرُ الوازع الدينيِّ بأن يستيقظ الضمير فيؤنب صاحبه إذا أَكَلَ مال غيره أو اعتدى على حقه أو أُعطِيَ من الحق ما لا يستحق؛ لأن صاحب الضمير يَعلَمُ أن عليه رقيبًا يَعلَمُ السِّرَ وأَخْفَى، كما قال الله سبحانه: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ


= وجوبها كما في الظهار ويجب فيها التعزير أيضًاء قاله ابن عبد السلام وابن الصلاح؛ فإن كان جاهلًا ففي وجوبها القولان فيمن فعل المحلوف عليه ناسيًا".
مذهب المالكية، يُنظر: "كشاف القناع"، للبهوتي (٦/ ٢٣٥)؛ حيث قال: "فأما اليمين على الماضي فليست منعقدة)، لأن شرط الانعقاد إمكان البر والحنث وذلك متعذر في الماضي (وهي)؛ أي: اليمين على الماضي (نوعان غموس وهي التي يحلف بها) على الماضي (كاذبًا عالمًا) سُمِّيت غموسًا؛ لأنها (تغمسه)؛ أي: الحالف بها (في الإثم ثم في النار ولا كفارة فيها)، لقول ابن مسعود: "كنا نعد من اليمين التي لا كفارة فيها اليمين الغموس". رواه البيهقي بإسناد جيد. وهي من الكبائر للخبر الصحيح (ويكفر كاذب في لعانه ذكره في "الانتصار") هذا مبني على وجوب الكفارة في اليمين الغموس كما في المبدع".
(١) أخرجه البخاري (٦٩٦٧)، ومسلم (١٧١٣) عن أم سلمة.
(٢) أخرجه مسلم (١٦١٠) عن سعيد بن زيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>