للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنما الذبح المعروف يكون باللَّبَّةِ (١) أو الحَلْقِ، وقَطْع العروق والأوراد وسَيَلَانِ الدَّمِ.

وعلى فرض صحة هاتين الروايتين؛ فإن الجواب عنهما بأن هذا إنما كان في أول الأمر، بدليل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أَدْرَكَ عُمَرَ بن الخَطَّاب - رضي الله عنه - وهو يحلف بأبيه، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت" (٢)، وهذا أمرٌ لاتصال لام الأمر بالفعل المضارع، والأمر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقتضي الوجوب؛ إذ لا صارفَ له، ولذلك عندما روى عُمَرُ - رضي الله عنه - هذا الحديث قال: "فَمَا حَلَفْتُ به بعد ذلك ذاكرًا ولا آثرًا" (٣)، فهذه أدلة صحيحة وصريحةٌ تغنينا عن تتبع التأويلات والتعليلات والاختلاف في أُمورٍ قد حُسِمَ الخلافُ فيها.

قوله: (وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ الحَلِفَ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَبِأَفْعَالِهِ فَضَعِيفٌ).

ولِشِدَّةِ ضَعْفِ هذا القول نجد بعض العلماء لا يَعْتَدُّ به، لورود خلافه في أحاديث صحيحة صريحة، كقصة النار لَمَّا قال الله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)} [ق: ٣٠]، فيضع الله فيها قَدَمَهُ حتى تقول: "قَطٍ قَطٍ، وَعِزَّتِكَ" (٤)، وإذا كانت النار تُقسِمُ بعزة الله فكيف بالناس الذين خَلَقَهُم الله سبحانه وتعالى ورَتَّبَ لهم عمارةَ الكون وَفَرَضَ عليهم طَاعَتَه، وأَعَدَّ للصادقين المخلصين منهم جنات عدن عرضها السموات والأرض؟!


(١) اللّبة من الصدر: موضع القلادة، وهي واسطة حواليها اللؤلؤ وخرز قليل وسائرها خيط. انظر: "العين"، للخليل (٨/ ٣١٨).
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) أخرجه أحمد في "المسند" (١١٢) عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله عز وجل ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها، ولا تكلمت بها ذاكرًا ولا آثرًا. وقال الأرناؤوط: "إسناده صحيح على شرط البخاري".
(٤) أخرجه البخاري (٦٦٦١)، ومسلم (٢٨٤٨) عن أنس بن مالك: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قط قط وعزتك! ويزوى بعضها إلى بعض".

<<  <  ج: ص:  >  >>