للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهناك ألفاظٌ تجري على لسان الإنسان من باب العادة ليس إلا، كقول الرسول: "تربت يداك" (١)، "ثكلتك أمك" (٢)، فالرسول لا يريد أن تَثكَلَهُ أُمُّهُ حقيقةً، وإنما هذا شيءٌ دَرَجَ على ألسنة العرب (٣).

وبهذا نتبين الفرق في القول بين أن يكون مقصودًا أو غير مقصودٍ، ولذلك فإن الإنسان إذا نَطَقَ بكلمة الكُفر مُجبَرًا وكان قلبه مستقرًّا بالإيمان؛ فلا يؤثر قوله هذا على إيمانه لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] (٤)، لكنه يخرج من الإسلام لا شك إذا كان قلبه منعقدًا على ما تَلَفَّظَ به من الكفر.

قوله: (وَالقَوْلُ الأَوَّلُ مَرْوِيٌّ عَنِ الحَسَنِ بْنِ أَبِي الحَسَنِ).

هو الحسنُ البصريُّ الإمامُ التابعيُّ المعروفُ.

قوله: (وَقَتَادَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ) (٥).

وهؤلاء جميعًا من التابعين.


(١) أخرجه البخاري (٥٠٩٠)، ومسلم (١٤٦٦) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك".
(٢) أخرجه الترمذي (٢٦١٦) عن معاذ بن جبل وفيه: … فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلَّم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".
(٣) ثكلتك: كلمة استعملتها العرب كثيرًا ومعناه: فقدتك، والثكل الفقد، يقال: "ثكلت وأثكلت ثكلًا بالضم". انظر: "مشارق الأنوار"، للقاضي عياض (١/ ١٢٩). وانظر: "النهاية"، لابن الأثير (١/ ٢١٧).
(٤) يُنظر: "الإقناع في مسائل الإجماع"، لابن القطان (٢/ ٢٧٢)؛ حيث قال: "اتفقوا على أن المكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أنه لا يلزمه شيء من الكفر عند الله تعالى".
(٥) يُنظر: "روضة المستبين"، لابن بزيزة (١/ ٦٥١)؛ حيث قال: "اليمين الجارية على اللِّسان لفظًا من غير قصد … وهو آخر قول عائشة وهو المشهور وبه قال الحسن، وقتادة، ومجاهد". وانظر: "الإشراف على مذاهب العلماء"، لابن المنذر (٧/ ١٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>