للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ، أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ - وفي رواية: سَبْعِين (١) - كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّه، فَلَمْ يَقُل: إِنْ شَاءَ اللَّه، فَلَمْ يَحْمِل مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّه، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ" (٢).

فأراد - عَليه السلام - أن يُولد له مائة ولد يجاهدون في سبيل الله، يدافعون عن الحق وينافحون (٣) عنه، لكنه نسى أن يربط ذلك بمشيئة الله، واللّه عزَّ وَجلّ يقول: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣، ٢٤]، فلا يحصل أمر إلا بإرادة الله ومشيئته، ولذلك ينبغي للمسلم دائمًا أن يربط أعماله بمشيئة الله - سبحانه وتعالى -.

> قوله: (وَالَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ حَالٌّ اخْتَلَفُوا: هَل هُوَ حَالٌّ بِالقُرْبِ أَوْ بِالبُعْدِ عَلَى مَا حَكَيْنَا، وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ رَأَى أَنَّهُ حَالٌّ بِالقُرْبِ بِمَا رَوَاهُ سَعْدٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللَّهِ، لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ" (٤)، فَدَلَّ هَذَا أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ حَالٌّ لِليَمِينِ لَا مَانِع لَهَا مِنَ الانْعِقَادِ. قَالُوا: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌّ بِالقُرْبِ أَنَّهُ لَوْ كانَ حَالًّا بِالبُعْدِ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ (٥)، لَكَانَ الاسْتِثْنَاءُ يُغْنِي عَنِ الكَفَّارَةِ، وَالَّذِي قَالُوهُ بَيِّنٌ).

معنى القرب أو البعد: أي: بمجرد أن يقسم يربط ذلك الاستثناء بالمستثنى منه، أي: يربط المشيئة بيمينه دون فصل بينهما.


(١) أخرجها البخاري (٣٤٢٤)، مسلم (١٦٥٤).
(٢) أخرجه البخاري (٢٨١٩)، ومسلم (١٦٥٤).
(٣) ينافح عنهم، أي: يذب عنهم. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (٢/ ٦٢٠).
(٤) أخرجه أبو داود (٣٢٨٦)، وصححه الألباني في "التعليقات الحسان" (٤٣٢٨).
(٥) تقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>