للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالنذر إذَنْ ليس على نسَقٍ واحدٍ، وإنما هو أنواعٌ كما نرى.

* قوله: (الفَصْلُ الثَّالِثُ: فِي مَعْرِفَةِ الشَّيءِ الَّذِي يَلْزَمُ عَنْهَا وَأَحْكَامِهَا).

يعني: معرفة الأُمور التي تَلزَمُ من هذا النذر والأحكام المترتبة عليه.

فإن الله سبحانه وتعالى قد جَعَلَ مَخرَجًا للناذر من نَذْرِهِ إذا نَذَرَ ما يَشُقُّ عليه الوفاءُ به؛ لأن الشريعة الإسلامية إنما بُنِيَت على أُسُس، من هذه الأُسُس التيسيرُ ورَفْعُ الحَرَجِ (١).

ومثال ذلك: قصة الرجل الذي نَذَرَ أن يصوم ولا يَستظِلَّ وألا يَتَكَلَّمَ، فأنكر عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقال: "مُرُوهُ فَلْيَقْعُدْ، وَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ" (٢).

وكذلك قصة المرأة التي أَقسَمَت أن تَحُجَّ ماشيةً فعَجَزَتْ (٣).


= ويُنظر في مذهب الحنابلة: "المغني"، لابن قدامة (١٠/ ٨)؛ حيث قال: "نذر المستحيل، كصوم أمس، فهذا لا ينعقد، ولا يوجب شيئًا؛ لأنه لا يتصور انعقاده، ولا الوفاء به، ولو حلف على فعله لم تلزمه كفارة". ويُنظر: "مطالب أولي النهى"، للرحيباني (٦/ ٤٣٢).
(١) قال الشاطبي: "إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع؛ كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]. وسائر ما يدل على هذا المعنى؛ كقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]. {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)} [النساء: ٢٨]. {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: ٣٨]. {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧]. وقد سمي هذا الدِّين "الحنيفية السمحة"؛ لما فيها من التسهيل والتيسير". "الموافقات" (١/ ٥٢٠، ٥٢١).
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٠٤) عن ابن عباس، قال: بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلّم، ويصوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليتكلَّم وليستظل وليقعد، وليتم صومه".
(٣) أخرج أبو داود (٣٢٩٥) عن ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إن أختي نذرت؛ يعني: أن تحج ماشية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا، فلتحج راكبة ولتكفر عن يمينها". وضعفه الألباني في "إرواء الغليل" (٢٥٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>