للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: {يُوفُونَ بِالنَّذْر} [الإنسان: ٧]، وَأَخْبَرَ بِوُقُوعِ العِقَابِ بِنَقْضِهِ، فَقَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: ٧٥] إِلَى قَوْلِهِ: {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: ٧٧].

والمؤلِّفُ هاهنا يشير إلى حُكْمِ النذر، استنادًا منه لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}؛ حيث أَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى عباده بالوفاء بالعهود والعقود، والناذر إنما قد عَقَدَ العزم على شيءٍ وعاهَدَ اللَّهَ على الوفاء به، ومِن هذا الباب فإن النذر يجب الوفاء به ما لم يكن فيه معصيةٌ.

واستدل كذلك بمدح الله سبحانه وتعالى لِلذين يوفون بنذورهم في قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}.

وبِذَمِّ اللهِ لِمَن كَذبُوا في عهدهم مع الله، في قوله تعالي: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: ٧٥ - ٧٧] حيث إنهم لَمَّا عاهدوا اللَّهَ أن يتصدَّقوا ثم أخلفوا مع اللَّهِ عَهْدَهُمْ عاقَبَهُمُ اللَّهُ بأَنْ أَعْقَبَهُم نفاقًا في قلوبهم.

قوله: (وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ النَّذْرِ فِي النَّذْرِ المُطْلَقِ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَلْ يَجِبُ النَّذْرُ بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظِ مَعًا أَوْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ؟).

فمن العلماء مَن ذَهَبَ إلى الاكتفاء بالنية فقط بحيث لا يَلزَم التصريح بلفظ النذر (١)، ومنهم مَن ذَهَبَ إلى وجوب اجتماع النية واللفظ


(١) يُنظر في مذهب الأحناف: "بدائع الصنائع"، للكاساني (٥/ ٨٧)؛ حيث قال: "ولو قال: لله علي إطعام عشرة مساكين وهو لا ينوي أن يطعم عشرة مساكين، إنما نوى أن يطعم واحدًا ما يكفي عشرة أجزأه؛ لأن الطعام اسم للمقدار، فكأنه أوجب مقدار ما يطعم عشرة، فيجوز أن يطعم بعضهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>