للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهؤلاء قالوا: إنه لا يلزمه شيءٌ؛ لأن النذر ليس مقرَّرًا بأصل الشرع، وإنما قد أَلْزَمَ النَّاذِرُ نفسَهُ به (١).

لكن الله سبحانه وتعالى قد أَقَرَّهُ على ما أَلْزَمَ به نفسَه، وكما بَيَّنَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن "النذر لا يأتي بخيرٍ، وإنما يُستَخرَج به مِن البخيل" (٢)؛ فالبخيل من عادته أنه لا يُنفِقُ ولا يُحِبُّ الإنفاقَ فيأتي النَّذْرُ فيكون دافعًا ومجبِرًا له على ذلك مما يعود بالفائدة على الفقراء والمحتاجين عند أدائه الكفارةَ.

أما فِعْلُ الطاعات فالأصل فيه أنه لا يَحتاج إلى نَذْرٍ وإنما ينبغي التنافُسُ في الطاعة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣]، وكما قال سبحانه: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: ١٤٨].

قوله: (وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ اللَّفْظُ قَالَ: يَنْعَقِدُ النَّذْرُ واِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِهِ) (٣).

من المعلوم اشتراطُ النية في العبادات، لكن التلفظ بالنية ليس شرطًا


(١) مذاهب الجمهور؛ عدم اشتراط ذكر لفظ النذر.
يُنظر في مذهب الأحناف: "درر الحكام"، لمنلا خسرو (٢/ ٤٣)؛ حيث قال: " (نذر مطلقًا) نحو: لله عليَّ صوم هذا الشهر".
وكذا في مذهب المالكية، على الرغم من أنهم قالوا كما سبق بوجوب النية واللفظ معًا.
يُنظر: "القوانين الفقهية"، لابن جزي (ص ١١٢)؛ حيث قال: "ويجب الوفاء به سواء ذكر لفظ النذر أو لم يذكره، إلا إن قصد الإخبار فلا يجب عليه شيء". ويُنظر: "مواهب الجليل"، للحطاب (٣/ ٣١٧).
وينظر في مذهب الشافعية: "منهج الطلاب"، لزكريا الأنصاري (ص ١٨٠)؛ حيث قال: "وفي الصيغة لفظ يشعر بالتزام: لله عليَّ أو علي كذا".
ويُنظر في مذهب الحنابلة: "شرح منتهى الإرادات"، للبهوتي (١/ ٦١٠)، حيث قال: " (وإن نذر هديًا وأطلق) بأن قال: لله عليَّ هدي ولم يقيده بلفظه ولا نيته (فأقل مجزئ) عن ناوه (شاة) ".
(٢) تقدَّم تخريجه.
(٣) وهو مذهب الجمهور كما سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>