للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعراض الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي يحض الصدقات، وحتى إنه قال للنساء عندما جمعهم: "تصدقن لتقينَ حر جهنم" (١)، نجد أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يُعْرض عن هذا الرجل؛ لأنه قدم جميع ما يملك ليخرج من هذا الذي يملكه، ويبقى بعد ذلك فقيرًا يحتاج إلى أن يُحسِنَ إليه الناس، لكن لو كان هذا الإنسان لديه من القوة والخبرة في التجارة؛ فإنه يستطيع أن يعيدَ ماله.

فهو يحتاج إلى ما عند الناس، ولا يدري أعطوه أو منعوه، ثم يبقى ذليلًا، فبعد أن ستره اللّه سبحانه وتعالى وأعزه ورفعه حتى لا ينظر إلى ما في أيدي الناس، يأتي فيخرج جميع ماله، فيحتاج إلى الناس، وكان الأَوْلَى أن يُبْقي شيئًا مما عنده، وأن تكون حاجته دائمًا إلى اللّه سبحانه وتعالى.

والرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم - بيَّن علة إعراضه عنه يمينًا وشمالًا، ولماذا لم يستجب له، ولماذا رمى عليه - صلى الله عليه وسلم - تلك القطعة من الذهب التي تشبه البيضة؛ لأنه لا يملك غيرها، وبإخراجها يكون فقيرًا، ثم بيَّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الصدقة ما كانت عن ظهر غنًى، فخير الصدقة وأفضلها ما كان عن ظهر غنًى.

قوله: (وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ المَالُ المُعَيَّنُ إِذَا تَصَدَّقَ بِهِ وَكَانَ جَمِيعَ مَالِهِ؛ وَلَعَلَّ مَالِكًا لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُ هَذِهِ الآثَار، وَأَمَّا سَائِرُ الأَقَاوِيلِ الَّتِي قِيلَتْ فِي هَذ المَسْأَلَةِ فَضِعَافٌ وَبِخَاصَّةٍ مَنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ غَيْرَ الثُّلُثِ، وَهَذَا القَدْرُ كَافٍ فِي أُصُولِ هَذَا الكِتَابِ، وَاللَّهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ).

يريد المؤلف أن يقول: ما عرضناه من مسائل هي كافية في أصول هذا الكتاب، وأن القارئ في هذا الكتاب عليه أن يلحق ما عداه.


(١) لم أجده بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري (٣٠٤)، ومسلم (٧٩)، ولفظه: "يا معشرَ النِّساء، تصدَّقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار"، فَقَالت امرأةٌ منهن جزلة: وما لنا يا رسول اللّه أكثر أهل النار؟ قال: "تكثرن اللَّعن، وتكفرن العشير".

<<  <  ج: ص:  >  >>